روجر كوهن
قدمت باكستان في السنوات الاخيرة البنوك التي حولت الاموال من اجل مؤامرة 11 سبتمبر كما انها كانت المصدر الرئيسي للانتشار النووي وقدمت ملاذا قبليا لمخططي الارهاب العالمي وساعدت على اعادة تشكيل طالبان وعلمت الكثيرين من المفجرين الانتحارين في مدارسها الدينية.
وفي الوقت ذاته تلقى الجنرال المتقاعد حديثا برويز مشرف مساعدات اميركية بلغت نحو 10 مليارات دولار ذهب معظمها لدعم الجيش الباكستاني في محاربة القاعدة وطالبان في جنوب وزيرستان ومناطق قبلية اخرى.
ان اغتيال بينظير بوتو التي كانت قد عادت من المنفى بموجب خطة ناقصة توسطت فيها الولايات المتحدة من اجل نقل باكستان من الحكم العسكري المباشر الى غير المباشر بقشرة مدنية قد اطلق رصاصة الرحمة على هذه المحاولة الاميركية الفاشلة لترتيب اوضاع دولة اسلامية نووية.
ليس واضحا من كان وراء الاغتيال.
فحكومة مشرف التي فقدت مصداقيتها تقول ان المسؤول هو «بيت الله محسود» ذو النفوذ المتزايد لدى القاعدة وطالبان. هذا سيبرئ الجيش الذي كانت معارضته للحركة الديموقراطية المتمثلة في بوتو تعود الى ايام اعدامه لوالدها.
كما انه يبرئ اجهزة الاستخبارات التي لطالما رعت المتعصبين من طالبان كعناصر نفوذ لها في افغانستان، ويبرىء ايضا مشرف نفسه الذي كان يعرف نقاط ضعف بينظير.
ومع التحول الغامض للروايات عن كيفية وفاتها من الاصابة بطلق ناري الى التفجير الذي اعقب اطلاق النار سيكون من السابق لأوانه استبعاد احتمال ان يكون القاتل او القتلة قد حصلوا على مساعدة من الكثير من الجهات الباكستانية الرسمية المتعاطفة مع المتطرفين.
الطلقات الموجهة الى الرِأس والصدر التي يعقبها تفجير تحمل العلامات المميزة لهجوم «اطلاق وتدمير» او ما تسميه القوات الخاصة البريطانية بـ «النقرة المزدوجة». والمثير للشبهة هو تنظيف سيارتها ومسرح الجريمة قبل ان يصل اليهما المحققون.
السناتور هيلاري كلينتون محقة في دعوتها الى تحقيق دولي، فكيف يمكن لتحقيق ذي مصداقية ان يجري تحت سلطة مشرف الذي اظهر احتقاره للقضاء المستقل بحل المحكمة العليا في نوفمبر الماضي؟ وينبغي ان يرافق هذا تحقيق من جانب الكونغرس الاميريكي في السياسة الاميركية المتعلقة بباكستان بعد هجمات 11 سبتمبر.
ولكن ثمة امورا لا تحتاج الى توضيح. الأول هو ان الولايات المتحدة لم توفر الحماية التي طلبتها بوتو.
وكان زوجها آصف زرداري قد زار الولايات المتحدة قبل اغتيالها من اجل طلب المساعدة ولكنه لم يحصل على المقابلات التي سعى اليها مع كبار المسؤولين في وزارة الخارجية.
كما ان ادارة بوش لم تضغط على مشرف لكي يقبل بمطالبة عائلة بوتو باشراك مكتب التحقيقات الاتحادي في المحاولة الاولى التي جرت لاغتيالها.
فالرئيس بوش يعرف ان اشخاصا قريبين من مشرف لديهم ما يدعوهم للخوف من وصول بوتو الى السلطة.
والثاني هو ان القاعدة حولت جانبا من اهتمامها عن افغانستان الى الجائزة الكبرى المتمثلة في السيطرة على باكستان. وفي هذا الصدد يقول المحلل العسكري جوليان ليندلي- فرينـــــش: «اشعر بان الـــــقاعدة قد تكون آخذة بفـــــقدان اهتمامها بأفغانـــــستان كـــــمركز جذب اقلـــيمي وهي الآن تصب تركيزها الكامل على باكستان».
والثالث هو ان عدم وضوح مشرف ألحق الضرر بالمصالح الأميركية وبلغ ذروته بجريمة قتل تلحق العار بأميركا. مشرف أمن الحماية للاسلحة النووية ولكنه لم يضمن أبدا ابتعاد الجيش او اجهزة الاستخبارات عن ربيبتها طالبان وساعد استمرار الصراع في المناطق الحدودية وافغانستان على استمرار تدفق الاموال والمواد الاميركية. هذه اللعبة المزدوجة يجب ان تتوقف.
والرابع هو ان سنوات من النمو الاقتصادي القوي ادت الى اتساع الطبقة المتوسطة التي تريد حكم القانون في ظل الديموقراطية. الاحزاب الاسلامية الراديكالية تمثل أقلية، وعلى النقيض من ايران في عهد الشاه فان القوى الديموقراطية في باكستان تفوق قوى رجال الدين.
ولن يستطيع مشرف عمل أي شيء من اجل باكستان من دون انتخابات ذات مصداقية.
وهذه تتطلب مراقبين دوليين او حكما انتقاليا يسمح لكل الاحزاب الرئيسية بالمشاركة في تنظيم الانتخابات. وينبغي اجراء الانتخابات في اقرب وقت ممكن بعد موعدها المقرر في 8 يناير. ومن المتوقع ان يحصل حزب الشعب الباكستاني على كثير من الاصوات المتعاطفة مع عائلة بوتو.
الخامس هو ان على الولايات المتحدة ان تعيد توجيه سياستها نحو تقديم دعم مباشر للديموقراطية.
لقد رأت ادارة بوش في الجيش الباكستاني متراسا في مواجهة التطرف، ولكن المتراس الحقيقي مثلما كانت بوتو تدرك هو الطبقة المتوسطة.
والسادس هو ان غياب أي حوار مع ايران يجعل الولايات المتحدة معتمدة بشكل مفرط على باكستان في استمرار نفوذها في افغانستان.
ان المأساة الكبيرة في اعقاب 11 سبتمبر هي عدم استغلال الولايات المتحدة للمدخل الايراني الذي نجم عن اسقاط العدو المشترك المتمثل في حكم طالبان.
موت بوتو خسارة فادحة تقارن بخسارة اسحق رابين. ومأساة عائلتها التي تشبه مأساة عائلة كينيدي تخلف فراغا لا قرار له.
لقد جمعت بوتو باحترام واقتناع بين الشرق والغرب، والديموقراطية الباكستانية وحدها تستطيع ان تثأر الى حد ما لاختفاء هذا الجسر النادر الذي قدمته بوتو وان تعوض عن الاخطاء الاميركية التي ادت الى هذه الخسارة.
عن «هيرالد تريبيون»
صفحة قضايا في ملف ( pdf )