تحديد تاريخ ثابت يظل قضية وطنية بالدرجة الأولى و1613 يحسم القضية ويمثل التاريخ حلقات مترابطة من الحوادث التي يصنعها الإنسان ويقدمها السابقون للاحقين، وللأجيال بعدهم شاهدة على ما صنعوا ليبقى تاريخ وتراث الأمم محفوظا عبر سبل متعددة بعض هذه السبل حفظت ما لديها من تراث وأوصلته كما ينبغي، وبعضها عجزت عن ذلك تبعا لظروف مختلفة تدخلت وقطعت الطريق، لتنشأ من هنا القطيعة بين الماضي والحاضر، وليظل الباحثون يحاولون أن يصلوا ما انقطع، وهذا ليس عيبا بل ان التاريخ الإسلامي رغم ما حفظ منه وكتب فيه ورغم العدد الهائل من المؤرخين والباحثين الذين تناولوه إلا أنه مازالت به جوانب مخفية عجز السابقون عن كشفها ليتركوها لمن بعدهم ليكملوا المسيرة.
وها نحن في الجمعية التاريخية الكويتية نتبنى تلك القضية التي تصدى لها الكثير ووقف منها البعض موقف المتفرج، إنها قضية وطنية بالدرجة الأولى ليس على المستوى الخليجي فحسب بل على المستوى العربي، إنها قضية تحديد تاريخ ثابت لنشأة إمارة الكويت.
الفرض والميل التاريخي
ان التاريخ يبنى على عنصريين رئيسيين هما الإنسان والزمن فمن خلال تفاعل هذين العنصرين ينتج التاريخ، وقد حاول الكثير من المؤرخين التصدي لتحديد نشأة إمارة الكويت اعتمادا على هذين العنصرين، وعلى الرغم من أن ما كتب عن الكويت تلك الإمارة الصغيرة (التي تقع في الطرف الشمالي الشرقي من شبه الجزيرة العربية) وتاريخها فإن الحقيقة يكتنفها الغموض، فما بين التضارب والغموض والتشويش، يظل عدم تحديد التاريخ الحقيقي غصة في حلق الكثير من أبناء الوطن، فلو تتبعنا مجمل الدراسات والأبحاث والكتب التي تتحدث عن تاريخ نشأة الإمارة لوجدنا أن هناك ميلا من قبل البعض لتثبيت تواريخ غير حقيقية، وهناك استنتاجات من قبل البعض الآخر بنيت على فروض خاطئة، وما بين الميل والهوى والفرض يظل وضع تاريخ ثابت به الكثير من المغالطات، حتى وصل الخلاف إلى أن أصبح التضارب في التواريخ شيئا ملموسا وعاديا في كل الكتابات التي تتناول الكويت، فما بين مصادر ترجح القرن الـ 17 إلى أخرى ترجح القرن الـ 18 يصبح الخلاف الجذري الذي ينتظر من يكشف اللثام عنه.
1613 نشأة الكويت
إننا لا نريد تغليب جانب على آخر بل نتناول تاريخ النشأة كما كتب وتم تناوله من جانب الكتاب والمؤرخين، فلقد حاول مؤرخو الكويت القدامى التصدي لهذا الواقع فكان الشيخ عبدالعزيز الرشيد في العام 1926 من أوائل المؤرخين المحليين الذين تناولوا هذا الموضوع، مشيرا إلى أن تاريخ نشأة الكويت أواخر القرن الـ 17، ومن ثم جاء الشيخ يوسف بن عيسى القناعي في كتابه «صفحات من تاريخ الكويت» في العام 1946 ليكمل ما بدأه الشيخ عبدالعزيز الرشيد، ويؤكد على أن الكويت كانت نشأتها في العام (1110هـ - 1688م)، غير أنه لم يعط سببا واضحا لاختياره هذا التاريخ، ويأتي الدكتور أحمد مصطفى أبوحاكمة ليرصد لنا تاريخا مغايرا آخر، ويحدد تاريخ النشأة في العام (1752) ليزيد لنا الأمر غموضا، ويأتي حسين خلف الشيخ خزعل ليورد لنا في كتابه تاريخ الكويت السياسي أن العتوب جاءوا من قطر إلى منطقة القرين ومن ثم تركوها متفرقين في العام 1714، ويرجع عدد أخر من المصادر إلى أن النشأة كانت تقريبا في أحد الأعوام التالية (1672 - 1701 - 1702 - 1703 - 1713)، وهذه أبرز التواريخ التي تناولت نشأة الإمارة، وتأتي المصادر الأجنبية لتدخل في خضم هذا النزاع التاريخي، فيذكر لنا واردن الذي أشار في أحد التقارير في العام 1819 أنه في حوالي العام 1716 دخلت ثلاث قبائل عربية الكويت، وجاء لوريمر في كتابة دليل الخليج ليبني افتراضه على هذا الأساس.
التاريخ على أسس واضحة
التاريخ هذا المحرك للمستقبل والمقياس الذي على أساسه تتحاشى الأمم أخطاءها، نعم فلم يقف المؤرخون الكويتيون عند هذه التواريخ كثيرا فسرعان ما بحثوا ونقبوا، خاصة بعد أن شكك الكثير في هذه التواريخ الموضوعة والتي ينقصها الكثير من الدقة، فبعد ظهور مخطوطة مرتضى بن علوان في العام 1709 وهو أحد الحجاج السوريين الذي زار المنطقة، وجدت دلالة مهمة على أن الكويت يعود تاريخ نشأتها إلى تواريخ أكثر قدما مما قدم البعض، ليأتي مؤرخون معاصرون ومحققون ليتناولوا هذا المخطوط والذي يعتبر أول ظهور وإشارة للكويت في مصدر عربي، فتصف لنا المخطوطة قدرا من العمران الموجود بالكويت، والتي يقول فيها «دخلنا بلدا يقال لها الكويت بالتصغير، بلد لا بأس بها تشبه الحسا، إلا أنها دونها، ولكن بعماراتها وأبراجها تشبهها لكنها أقل منها، وكان معنا حجاج من أهل البصرة فرق عنا على درب يقال له الجهراء، ومن الكويت إلى البصرة أربعة أيام وفي المراكب يوما واحدا، وهذه المذكورة أسمها القرين مشينا قبل وصولنا إليها على كنار البحر ثلاثة أيام، وتأتيها الفاكهة والبطيخ من البصرة، والقرين هو ميناء على حدود البلدة، وتأتيها الحبوب من البحر من حنطة وغيرها لأن أراضيها غير زراعية ولا يوجد فيها من النخيل ولا غيره من الشجر أصلا، وأسعارها أرخص من الحسا لكثرة الدفع من البصرة» وهي احدى الدلالات الكبرى على خطأ تواريخ قديمة وضعت وفسرت تاريخ النشأة، خاصة إذا علمنا أن هذه المخطوطة سبقت التاريخ الذي أورده واردن بـ 7 سنوات كاملة التاريخ 1613م الذي تطرحه الجمعية التاريخية تاريخ ثابت مستند الى أدلة علمية وقرائن تاريخية ثابتة؟
إن غياب بعض الفقرات التاريخية أو سقوطها بحيث لم تصل إلينا لا يعد سببا مقنعا في ترك البحث والتنقيب، والرغبة في اكتشاف أو إعادة ما سقط إلى سلسلة التاريخ حتى تطلع عليه الأجيال، فلقد جاء دور المؤرخين الكويتيين في الوقت الحالي ليثيروا تلك القضية التاريخية الهامة ومنهم د.ميمونة الصباح والتي تناولت تاريخ نشأة الكويت بالمزيد من البحث والدراسة وبحثت تاريخ النشأة وأثبتت أنه كان قبل القرن الثامن عشر وأشارت إلى أن الكثير من الوثائق التاريخية الهامة والمعتمدة ترجح تاريخ النشأة وترجعه للقرن الخامس عشر بل استطاعت عبر القرائن والأدلة أن تضع تاريخا محددا له وهو العام 1613م وبنت رأيها على عدد من الأسانيد التاريخية الصحيحة والتي جاءت بعد دراسة معمقة وتنقيب في الوثائق والقرائن والأدلة.
الأدلة والثوابت التاريخية
جاء تاريخ 1613م ليكون مدعما بالوثائق والأدلة والحقائق التاريخية، التي وضعت على أساس علمي صحيح وثابت ليؤكد لنا أن تاريخ النشأة يقارب وبحد كبير ما تم التوصل إليه، فلقد جاء 1613م ليضع نهاية للكثير من التشويش الذي اعترى تاريخ النشأة ويسدل الستار على قضية تاريخية من أهمها الوثيقة التي كانت عبارة عن بيان عن حدود الكويت كتبه الشيخ مبارك عام 1912 يوضح بها حدود بلاده وذلك بناء على طلب السلطات العثمانية في البصرة أثناء المفاوضات البريطانية العثمانية والمعروفة بالاتفاقية الانجليزية التركية عام1913م (kuwait political, arabicdocuments). وسلم الشيخ مبارك رسالته إلى السلطات العثمانية في البصرة بواسطة وكيله فيها عبدالعزيز البدر، وأرسل نسخة منها إلى السلطات البريطانية لحفظ حقوقه كون بلاده تحت الحماية البريطانية حيث وصفها الشيخ مبارك بقوله: «أرض قفراء نزلها جدنا الأول 1022هـ - 1613م»، حدودها في الجنوب من زمان الإحساء والقطيف في ملك العريعر وبعدهم بن سعود ويحدها من جنوب الجبيل وفيه سكن من أيام نزول صباح الأول، ويحدد أسماء بعض المناطق كالشعيبة، والفحيحيل والفنطاس، وإلى الشمال من الحدود شمال أم قصر التي بناها جدنا جابر، ومن الشرق جزيرة فيلكا أهاليها بحرية أميرهم سعود الصباح، وبوبيان والصابرية وأم نقا هذه المياه المذكورة جميعها موارد عشائرنا منذ القدم». وأيضا جاء على لسان الوكيل السياسي البريطاني في منطقة الخليج العربي لويس بيلي في تقرير حول القبائل العربية في سواحل الخليج المؤرخ 16 يوليو 1863 خلال حكم الشيخ صباح بن جابر رابع حكام الكويت القول «تتولى عائلة الشيخ الحالي حكم الكويت من خمسة أجيال أي منذ حوالي 250 سنة» وبطرح 250 سنة من سنة كتابة بيلي لتقريره عام 1863 نجده يصل إلى ذات التاريخ الذي حدده الشيخ مبارك أي 1613 م الموافق 1022 هـ، وبالبحث والتنقيب في المصادر العربية نجد أن كتاب «تاريخ نجد وحوادثها» لصالح بن عثمان قاضي عنيزة جاء فيه أن تأسيس الكويت عام 1022 هـ، وفي كتاب القاضي محمد بن عثمان بن صالح في «روضة الناظرين» أشار أن الكويت تأسست عام 1022 هـ، أما الخرائط الغربية فقد أشارت إلى الكويت ولكن بطريقة مبهمة فقد جاءت الخريطة الألمانية والتي عنوانها persia sive sophorevm regnvm والتي رسمها الكوتوجرافي الشهير bleau في العام 1645م وكان التعليق عليها بأنها تدخل ضمن توضيح طريق التعاملات التجارية بين فارس والبرتغاليين ومن ثم الألمان والانجليز من بعدهم، كما جاءت خريطة الفرنسي نيكولاس سانسون مؤسس علم الجغرافيا في العام 1652م في جامعة كمبردج لتبين أن الكويت كانت موجودة على الخريطة بشكل واضح في هذا الوقت من الزمان، بجانب الخريطة الفرنسية الأخرى المنشورة في العام 1654م أيضا بمكتبة كمبريدج، كما تأتي الخريطة الهولندية والتي تعود للقرن الثامن عشر وتبدو فيها حدود الكويت والدولة العثمانية مرسومة وبدقة من الناحية التجارية وذلك في العام 1660م كما وردت أيضا في الوثائق الهولندية في العام 1750م.
نشأة القلعة
ولقد حاول الدكتور يعقوب الغنيم الدلالة على أن الشيخ صباح الأول هو الذي أسس الكويت أو القلعة وذلك في اعتماده على أن الخرائط التاريخية القديمة الأولى توضح أن الكويت كانت تظهر باسم القرين أو كاظمة وبعدما نزل بها العتوب وأسسوا فيها مدينتهم الأولى توجب أن يكون هناك حصن أو مكان يحفظ فيه السلاح ويقوم بحماية المدنيين فكان أن أنشأوا كوتا صغيرا سمي فيما بعد كويت، اعتمادا على ان تاريخ إنشاء القلعة ونشأة الكويت سبق تأسيس دولة بني خالد، حكم براك ومحمد الذي يرجعه البعض الى عام 1669م والبعض الآخر الى عام 1671م، وأن فتح القطيف كان في عام 1081هـ الموافق 1670م، وذلك من خلال ما جاء على لسان احد شعراء القطيف، والشعر سجل اخبار العرب، حيث يقول الشاعر: رأيت البدو آل حميد لما - تولوا أحدثوا في الخط ظلما - أتى تاريخهم لما تولوا - كفانا الله شرهم - «طغى الما» - وتحسب عبارة «طغى الما» وفقا لتقويم ابجد، فمجمل حروفها يساوي 1081هـ/1670م، حيث تتكون من الحروف التالية: (ط = 9 + غ = 1000 + الألف = 1 + اللام = 30 + الميم = 40 والألف = 1) فالمجموع يساوي 1081هـ، مع ملاحظة أن الألف الأولى في كلمة الماء لا تحتسب لأنها غير منطوقة.
أمانة في يد المؤرخين
تاريخ الكويت أمانة في يد مؤرخيه: إننا في محاولتنا لإزالة الالتباس الواقع في تحديد تاريخ ثابت لنشأة الكويت إنما نرمي إلى أن نؤكد على أن الالتفاف واعتماد تاريخ ثابت للنشأة هو ضرورة لإزالة أي متعلقات هامشية تضر بتاريخ الكويت ونشأتها الحديثة، خاصة أن اعتماد تاريخ ثابت للكويت ليس خطا أحمر يتوقف أمامه بل ضرورة ملحة يتوجب على الجميع الانتباه إليها، فالتاريخ الكويتي يجب ألا يبقى عرضة لتفسيرات قد تضر بمصالح الامة، لذا فدعوة الجمعية التاريخية الكويتية لاعتماد تاريخ ثابت ينبع من دلالة وطنية بالاساس ولا يهدف لأي اغراض سياسية، وها نحن في الجمعية التاريخية نتصدى لهذه القضية المهمة، مؤكدين في النهاية ان مصلحة الوطن هي الباقية وهي الاساس الــذي يجب على الجميع الالتفاف حوله.
صفحات تاريخنا في ملف ( pdf )