محمد الخالدي
في عام 1993 أعلن عن قيام الاتحاد الأوروبي وولادة عصر جديد من العلاقات بين دول أوروبا، تقوم على التعاون واحترام المصالح المشتركة بما لا يخل بخصوصية كل بلد منها وسيادته، وهكذا وضعت أوروبا حدا لمئات السنين من الحروب الطاحنة والدمار وبدأت مرحلة جديدة وأصبحت قوة جديدة.
قبل أيام تناولت وجبة الغداء في لندن ثم ركبت القطار الأوروبي متوجها إلى باريس لأتناول وجبة العشاء هناك، هكذا بكل بساطة وسهولة تستـطيع اليـوم أن تنتقل بين دول الاتحاد الأوروبي بلا قيود وبلا تعقيدات وبفيزا واحدة وعملة واحدة وبـواسطة قطار سريع ينتقل بك عبر تلك العواصم الجميلة بكل حرية وكرامة، لتشاهد آلاف الإنجازات الحضارية والتقدم في شتى المجالات ومظاهر النهضة وفنون العمارة والتنظيم والروعة في كل زاوية.
في عام 1981 أعلن عن قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية بين كبرى الدول المنتجة للبترول، عصب الحياة في هذا العصر، وعلى الرغم من مرور 27 عاما على قيام هذا «التعاون المشترك» لم تتمكن هذه الدول حتى اليوم من تحقيق أي مضمون حقيقي للتعاون والوحدة وأبسطها العملة المشتركة أو حرية التنقل فيما بينها، ويكفي أن ينظر المرء إلى إجراءات السفر من الكويت إلى البحرين مثلا، حيث يضطر إلى ختم جوازه 8 مرات مع أن الفاصل بين النقاط الحدودية لا يتجاوز بضعة أمتار لا أكثر! 27 عاما من العمل المشترك بين مجموعة من الدول الغنية ولا يوجد حتى الآن «مخطط» لبناء شبكة قطارات تربط عواصمها معا على أقل تقدير، ناهيك عن مشاريع الطاقة البديلة والاستعداد لما بعد نضوب البترول.
وحتى لا نظلم هذا المجلس علينا أن نعترف بوجود عمل مشترك تحقق أخيرا، يتمثل في تبادل المعلومات الأمنية وربط أجهزة الأمن بين دول الخليج، لدرجة أنك إذا ارتكبت مخالفة مرورية في أي منها تظهر في بلدك قبل أن تعود إليه، لكن على ما يبدو أننا توقفنا عند هذا الجانب الذي تجيده الدول العربية تماما، جانب الأمن والمخابرات، أما مشاريع التنمية البشرية والبنى التحتية ومشاريع السياحة التي باتت تشكل أحد أهم الموارد الاقتصادية في كثير من البلدان، فهي على ما يبدو آخر ما تفكر فيه دول مجلس التعاون الخليجي المشترك!
أكثر ما لفت انتـباهي في باريس وأنا أتـجـول بين المعالم السياحية التي يتوافد علـيها الناس من كل بقاع الأرض، أفواجا تلو أخرى، أن كثيرا من تلك المعالم عبارة عن «نصب تذكارية» تتحدث عن حـقبة الحربين العالميتين الأولى والثانية، تذكر الجميع بمشــاهد الألم والدمار والقتل التي تسـبب بها هتلر وتشــيد بالانــتـصار عـليه، وهـو بكل تأكيـد أمر مشروع يتـعلق بحقـائق الـتاريخ والجـغرافـيا.
غير أن ما كان يثير الاستغراب ويسبب الألم والمرارة في النفس أن تمر 18 عاما على ذكرى الاحتلال العراقي للكويت والذي خلّف من الدمار والقتل والجرائم ضد الإنسانية الشيء الكثير دون أن تفعل الحكومة الكويتية أي شيء لتوثيق تلك الجريمة البشعة والتجربة المريرة من خلال النصب التذكارية والتي لا تحتاج سوى أسمنت وحديد ورؤية فنية، وهي كلها متوافرة بالتأكيد، ولكنها تحتاج أيضا إلى «قرار سياسي» وهنا المشكلة!
من حق الكويت أن توثق تاريخها وتذكر الجميع بتلك الجريمة، ومن واجب الحكومة أن تقوم بذلك وتعمل على بناء صروح ونصب تذكارية وتطلق على الشوارع والأحياء والساحات أسماء تحكي ما حدث وتخلد أسماء من ضحوا لأجل الكويت وتقول للعالم أجمع هذا هو التاريخ، كل ذلك بطريقة ذكية وسهلة وزهيدة الثمن تشكل استثمارا ناجحا يوثق التاريخ ويحرك عجلة الاقتصاد، ولكن أين القرار؟!