بقلم: طارق محمد الفريح
استيقظ في الصباح الباكر كعادته، جلس على فراشه وبدأ في إطلاق أنين (التمغط)، وما أن انتهى، حتى أخذ نفسا عميقا وأزفره بنشوة رجل الشهرة والحياة، تدور في ذهنه مئات الأفكار المشوشة والمختلفة ظاهريا، لكنها متشابهة في الباطن، يربطها خيط رفيع غير مرئي وهو الأنا، كانت خيوط الشمس تداعب وجهه، كعادتها مع كل من يقطن الأرض، لكنه أبى المعاملة بالمثل، وفضل مداعبة صديقه المادي وهو الموبايل، حتى جاءت لحظة ترجله من سريره النخبوي، واتجه إلى الحمام منفوخ الصدر ويدندن، وقد كانت الأرض كعادتها مستعدة لاستقبال قاذوراته بكل حفاوة، قبل أن تستقبل جسده في النهاية بأكمله!
ارتدى ثوبه وشماغه المصنوعين من خام إنجليزي، وساعته السويسرية، وحذاءه الايطالي، كانت خطواته وهو ينزل من سلم المنزل أشبه بدقات ساعة البيغ بين، جلس على المائدة مع زوجته وأولاده يحيطون به، كان جبينه يحوي مسحة أنا ممزوجة بعطف أسري روتيني ليس إلا، حتى خرج من منزله ليستقل مركبته الألمانية، ويتجه إلى ما يسمى بالعمل!
كان صديقه المادي مربوطا في أذنه وكفه، أصر على مداعبته بشكل مزعج، لكن الموبايل استمر بالجمود من غير اهتمام، وعندما وصل إلى مقر عمله قام بعتقه أخيرا، ركنه في جيبه بعد أن انتهى منه، وما أن ترجل من مركبته حتى سطع بريق تلك الفلاشات، مصورون أحاطوا به من كل حدب وصوب، يتوددون له مرارا وتكرارا وهو غير مبال، واكتفى بصناعة الابتسامة المخملية، المحددة الإطار والنية.
سار في ممرات المبنى متجها الى سر نشوته وشهرته، تلك الغرفة السحرية الجذابة ببريقها الفالصو لمن مثله، جلس على كرسيه المعتاد، المصورون وكاميراتهم مستعدون لإبراز ملامحه الخادعة، مهندس الصوت جاهز لتنقية صوته ونبرته المستهزئة، المخرج يقود الفريق استعدادا لنقل هذا الرجل للعالم أجمع، بل ولفرضه بالقوة البريئة، وبعد لحظات قليلة ظهر صوت خطوات واهنة، تسير بكل بطء يملؤها الشقاء، الهموم تمكث على كتفي صاحبها، جلس أمام الرجل كالعبد عند أسياده، مطأطئ الرأس، ملامحه باردة وجامدة كالثلج، وما أن أشار المخرج بالضوء الأحمر، حتى انطلق بطلنا المشهور بكلمة «أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مرحبا بكم في برنامجكم الأسبوعي، وأعتذر أولا عن انقطاعي لشهرين بسبب سفري مع أسرتي لجزر الكناري، وثانيا عن تأخري في عرض الحلقة وذلك بسبب اهتمامي بأبنائي قبل توجههم إلى مدارسهم، أما بالنسبة لحلقة اليوم فستكون مميزة ورائعة جدا، نعرض فيها حالة إنسانية مثيرة للعطف والشفقة والضحك، وهي لرجل لا يملك مالا ولا عملا ولا أسرة، ناقص علم وإدراك وفهم، والأهم من ذلك كله، هو كبر سنه وضعفه وهوانه!).
[email protected]