بقلم: طارق الفريح
لم يكن يعلم بأن الرفض هو أول المستقبلين، ذلك الرجل الذي امتزجت مشاعره لا إراديا بمشاعر تلك الفتاة البسيطة، فتاة لم تتزوج حتى عمر الثلاثين عاما، لقد كانت محجوزة وكأنها بضاعة لأحد أبناء عمومتها، هذا هو ظاهر الأمر بالتأكيد، لكن باطنه أبشع من ذلك، وهو رغبة الأب في الاستيلاء على راتبها الزهيد، وتم ركنها في احدى زوايا ذلك المستودع الكئيب المسمى بالمنزل لفترة طويلة من الزمن، مارس ابن عمها حياته بكل سطحية وفشل وضياع، عاش بلا هدف ولا معنى، حتى وصل إلى نهايته المعروفة مسبقا، والتي لا تحتاج لكاهن أو عراف للتنبؤ بها، أواه ذلك السجن الذي تضخم من أمثاله، حتى وصل لمرحلة يرغب بها السجن في التقيؤ على آباء وأمهات هؤلاء الضحايا.
جمع الرجل وتلك الفتاة حب حكمته العفة والطهارة والصدق، إنها الفطرة السليمة عندما تعمل بشكل طبيعي، فهي تبحث بين أروقة الكون والحياة عن نصفها الآخر المأمول، لا تتوانى في ذلك أبدا، حتى ولو استلوا سيوفهم بوجهها، أولئك الذين حملوا على كواهلهم راية الوصاية والأعراف، وحتى لو قاموا بتقطيع الإنسانية وأوصالها، فالطبيعة تعمل وستبقى كذلك وفق إرادة الخالق سبحانه، لن توقفها أي قوة مهما كان حجم إرهابها وتخلفها المريض.
«أنا فلان ابن فلان ابن فلان»، قالها الرجل وهو يشعر بأن اسمه وحده بلا ألقاب، لم يكن مقنعا كفاية لأبيها وأخيها الذي يداعب ابنه بجانبه، فهم مؤمنون بفقاعة العوائل والأنساب المنبثقة من عصارة فضلات العقل البشري، فسارع يكمل: «أحمل شهادة الدكتوراه في الفيزياء، خريج إحدى الجامعات الغربية العريقة، أعمل دكتورا محاضرا في الجامعة، أملك مختبرا، حاصل على براءة ثلاث اختراعات، أملك خيرا وفيرا ولله الحمد والمنة، أجتهد في مواصلة أبحاثي وأعمالي لتحقيق حلمي الكبير، وهو الفوز بجائزة نوبل في الفيزياء، أملك بيتا وأما عظيمة وجميلة تسكنه، أخي الأكبر يعمل وزيرا في الدولة، وأخي الذي يصغرني يعمل محاميا، ولدي أخت تعمل وكيلة وزارة متزوجة من رجل موظف بسيط، لكنه رجل بألف رجل، فنحن لا يهمنا أي شيء سوى الأخلاق والدين والرجولة»، قاطعه والد الفتاة وأخوها: «أكيد ما يحتاج طال عمرك، الناس ما تشتري إلا الرياييل»، شقت ابتسامة عظيمة وكبيرة وجه الرجل، لم يصدق أن أفكارهم تغيرت بهذه السهولة، لكنه يعلم داخل قرارة نفسه أن وضع الفتاة ساهم في هذا التغيير، حتى شعر كأن السقف سقط على رأسه فجأة حينما سمع والدها يسأله قائلا: «انت منين انت وشو انت؟»، فأكمل أخوها المهمة بإسقاط الجزء المتبقي من السقف على رأس الرجل وسأله قائلا: «أراضيكم ودياركم وين هي؟»، وظهر أحد أبنائهم من خلف الباب ليختم هذا الاحتفال المتخلف بقوله: «وشو يثبت انك من السلالة؟».
[email protected]
tareq_al_freah@