بقلم: طارق محمد الفريح
في هذه القطعة من الأرض عندما ترفع صوتك داعيا لحرية من فيها ومطالبا بإصلاح أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يتم وصفك من قبل الآخرين المستعبدين بالخائن وناكر الجميل والساعي إلى زعزعة الاستقرار، وما إلى ذلك، وعندما تصمت وتخنع مصفقا كالأبله لكل مفسد وقامع من السلطة تصبح بنظرهم وطنيا بامتياز مع مرتبة الشرف، ولست هنا بصدد التشدق بالوطنية وإبراز حبي وانتمائي، وهذه الهراءات، فأنا أؤمن بأن الوطن هو كوكب الأرض وروحي تحلق في سماء هذا العالم، ولم أخضع يوما لما وجدت عليه آبائي أو لتلك التقسيمات البشرية المصطنعة والمسماة دولا وجمهوريات وممالك، لكن اندهاشي من كمية المشاعر والأفكار والمفاهيم السلبية المتشربة للعبودية والتي تغلف أرواح وأجساد وعقول الناس هنا حدتني لتفكيك هذا الأمر.
قال لي أحدهم: احمد الله على هذا الخير والعز الذي تنعم به، فأنت لولا الله ثم السلطة لما كنت تملك شيئا، ولما نعمت بالأمن والاستقرار والشبع، فقلت له: لحم كتفي يا عزيزي من خيرات ومقدرات هذا الكوكب الذي خلقه الله تعالى وهو الرزاق، وعندما أحصل على شيء فهو نصيبي من النفط القابع تحت هذه القطعة من الأرض وليس من جيب أحد، وشبعي وأمني واستقراري يجب الا تمنعني من الحديث بما أرغب، فالله خلقنا أحرارا حتى في مسألة الإيمان به من عدمه وهو خالقنا والكون بجلالته وعظيم قدره، فكيف تسمح لنفسك بأن تطبق فمك أمام انتهاكهم للإنسانية وقمعهم للحريات لمجرد حصولك على اللقمة المزعومة منهم؟! أعلم أنك مبرمج على ذلك من قبلهم منذ صغرك، فهم يعززون في عقلك ونفسك هذا المبدأ من خلال وسائل عدة ولنأخذ على سبيل المثال الإعلام، عندما تشاهد الفقر والقتل والدمار والتشرد في إحدى النشرات الإخبارية الموجهة خصوصا لك وأنت تأكل وجبة الغداء التي استهلكت مكوناتها دخلك الشهري مع أسرتك، وسيارتك الفارهة المقسطة مركونة أمام باب منزلك المقسط، وبطاقتك البنكية تحوي عدة دنانير من مليونك المسروق، وأولادك يتلقون التعليم والرعاية الصحية بالمجان المزعوم، وتعمل في مكان أشبه بالمقبرة التي تحوي الموتى الأحياء، حينها سينتابك شعور بالطمأنينة اللحظية، وستتحول هذه المادة المؤلمة التي تشاهدها إلى وسيلة ترفيه بالنسبة لك، الجثث تبدو كما قطع اللحم المطبوخ أمامك، والدماء كما الشراب البارد، وسمات الفقر والتشرد ترفع من نشوتك في غناك المظهري واستقرارك الهش، فأنت مجرد إنسان لا طعم لك ولا لون ولا رائحة، مجرد آلة تسير في طرقات مرسومة وتعمل في أطر محددة، مجرد عبد يراهن عليه من قبلهم، روحك مسجونة وملكة تفكيرك منتزعة، وقابليتك للتطوير والتجديد معطلة، وجسدك مكبل بالأصفاد المادية، لقد قتلوا فيك الإنسان مع سبق الإصرار والترصد، كل ذلك تم برغبتك أنت، أنت فقط ولا غيرك أيها العبد الخاضع للسادة.
[email protected]
[email protected]