عبدالهادي الصالح
تتوالى الأزمات السياسية على البلاد ولسان حالها «ضعنا بالطوشة» وآخرها الآن قضية «داو كيميكال» وسائر الشعب لا يعرف عن هذه القضية إلا غبار أزمتها الطاحنة بين النواب والحكومة وجعجعتها التي «أدوشت» العقول، وكيف يعرف عموم الناس أوجه الاختلاف بينما نواب مجلس الأمة القريبون جدا بصفتهم من صناع القرار لا يعرفون فيها وجه الحقيقة بسبب نقص المعلومات كما عبر عن ذلك أحد النواب، وبينما سيعمل على صياغة أسئلته البرلمانية بهذا الشأن يكون قرار مشروع «داو كيميكال» قد انقضى بالموافقة أو الرفض! ونقل عن الحكومة في وقت سابق تحويل ملف المشروع إلى ديوان المحاسبة لمراجعته مراجعة شاملة وتتوالى قرارات تأجيل حسم «داو كيميكال» من قبل الحكومة انتظارا لتقرير اللجنة القانونية الوزارية ـ كما نقلت الصحف ذلك ـ وسط اتهامات وضغوط نيابية للحكومة بأنها تعطل المصلحة العامة عبر ترددها وبطئها في اتخاذ القرار المناسب.
وفي رأينا ان هذه الصورة تمثل نموذجا مكررا لضياع هيبة السلطة السياسية بالدولة الممثلة بالحكومة، فهيبة السلطة لا تأتي عبر ممارسة التسلط بالدكتاتورية على رقاب الناس والحكم بالحديد والنار عليهم بالشبهة والمظنة كما يفعل الطغاة أمثال صدام وزبانيته، فهذا خارج مجال الحسبة، ولكن الهيبة التي نقصدها أن يأتي قرارها راسخا بالثقة والقناعة عبر دراسة متأنية ومعمقة تحصنه ضد الاتهام والشبهات وقد استنفدت جميع الآليات القانونية الواجبة التطبيق وحتى تلك التي دائما يطالب النواب بالإحالة اليها كديوان المحاسبة أو لجنة المناقصات، ثم عملت على وضع خطة لتسويق المشروع على النحو الشعبي علاوة على استيعاب النواب عبر الجلسات الرسمية ثم الحوارات الإعلامية حتى تكون القناعة قد نفذت أيضا في عقول وقلوب الناس ليس بالضرورة بموافقتهم، ولكن على الأقل بقناعتهم أن الحكومة عملت ما بوسعها لتحقيق اكبر قدر من الايجابيات لمصلحة البلاد.
أما ما يحصل الآن فللأسف ان صراخ النواب الإعلامي يجعل الحكومة تلملم أذيال ثياب المشروع لتحيله حسب رغبة النواب إلى ديوان المحاسبة أو تتردد وتتلكأ لقيد دراسته عبر لجانها الوزارية مما يوحي للناس أن الحكومة أصلا لا تملك القناعة التامة بمشروعها بل الجميع لمس قضايا كثيرة كانت الحكومة تصر عليها إصرارا لا رجعة فيه أبدا.
ثم بعد صراخ النواب تتراجع وتعيد دراسته حتى سميت بالحكومة المنبطحة (حسب تعبيرهم) وإن أصرت على الرفض مع حفظ ماء الوجه فإنها تعبر عن ذلك باضطرارها الى تقديم مشروع وسط لترضية النواب فلماذا لا تبادر الحكومة من تلقاء نفسها بإعداد هذا المشروع الوسطي أو تحيل مشاريعها الى ديوان المحاسبة من تلقاء نفسها فتسحب البساط عن كل التوقعات التي غالبا ما يلجأ إليها النواب لتعطيل قراراتها.
للأسف هذا التراجع والتردد وسهولة ضغوط النواب لإرغامها على تغيير موقفها يضعف الحكومة أمام الناس ويسقط هيبتها ويشكك دائما في مصداقيتها للمضي قدما في مشاريعها، ولذلك لا نستغرب ما يحدث في الشارع من ممارسات فردية ولكن بمجموعها تعبر عن موقف الشارع الكويتي من مؤسسات الدولة ورجالاتها لكن لا احد يسعده أن يرى هذا التجاسر على هيبة الدولة التي هي رمز الثقة والاستقرار والأمن الاجتماعي، حيث تتكرس القناعة بأن القرار الرسمي غالبا هو نتاج ضغوطات وترضيات وتسويات خلف الكواليس مما يعرض القيم الدستورية كالعدالة وتكافؤ الفرص والمساواة للانتهاك والاهتزاز.