سلطان الخلف
بعيدا عن الخلافات السياسية وما آلت إليه بين «حماس» والسلطة الفلسطينية ومن يتحمل مسؤولية خرق الهدنة حماس أم إسرائيل، فإن ما يحدث في غزة الآن هو جريمة نكراء يتحمل وزرها المجتمع الدولي وبالأخص الأعضاء الدائمون في الأمم المتحدة الذين يمتلكون قرار إيقافها، لكن يبدو أنهم متفقون على منح إسرائيل المزيد من الوقت حتى تحقق أهدافها السياسية في تواطؤ واضح معها دون أي اعتبار للضحايا المدنيين ومن بينهم الأطفال الذين يتساقطون كل يوم جراء الغارات والقصف الإسرائيلي الأعمى والمتواصل.
عجيب أمر هذا المجتمع الدولي الذي ما فتئ يذكرنا بين حين وآخر بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الطفل والمثليين والحيوان، كما يذكرنا بأهمية المحافظة على البيئة من التلوث بينما يغط في نوم عميق عما تعانيه الإنسانية في غزة من بؤس ومعاناة تحت الحصار على مدى السنتين الماضيتين وما يتعرض له البشر العزل المحاصرون فيها الآن من قتل عشوائي بواسطة القصف الجوي والبري والبحري بعد أن دخلت الحملة العسكرية الإسرائيلية أسبوعها الثاني على غزة.
قبل عدة أسابيع ندد الزعماء الغربيون الواحد تلو الآخر بأحداث مومباي وأبدت وسائلهم الإعلامية تعاطفا كبيرا مع حكومة الهند ومع أقارب القتلى كما أبدت قبل ذلك نفس التعاطف مع العائلات الجورجية بعد دخول القوات الروسية أوسيتيا وأبخازيا.
فأين هي فزعتهم الإعلامية المدغدغة للمشاعر الإنسانية عما تعانيه الإنسانية في غزة هذه الأيام؟ أم أن غزة تقطنها مخلوقات غير بشرية لا تستحق الحياة! في عالمنا اليوم لا يوجد شيء اسمه حقوق الإنسان أو الطفل أو المرأة.
إنها قضايا مفصلة على مقاييس سياسية معينة.
وتستحضر عندما يراد بها خدمة مصالح الدول القوية فحسب.
ولان إسرائيل مشروع استيطاني غربي بدأ منذ العام 1948 ستبقى قضايا حقوق الإنسان العربي معلقة إلى أن تحقق إسرائيل أهدافها في منطقة الشرق الأوسط ـ وأنى لها ذلك ـ فإن إنهاء وجود حماس في غزة كتنظيم معارض لأهداف إسرائيل أمر ملح بالنسبة لها وقد خططت له منذ سنوات لكن ذلك يتطلب وجود مبرر وقد وجدوه في صواريخ غراد التي لا تزيد على كونها ألعابا نارية مقابل الآلة العسكرية الإسرائيلية.
إذا استثنينا العرب من أي تدخل عسكري كما يشهد على ذلك واقعهم وإيران التي كان إعلامها يردح على أنغام نصرة الفلسطينيين زمنا طويلا تبقى المواجهة محصورة بين إسرائيل بكل طاقتها العسكرية وما تتمتع به من غطاء دولي من جهة وغزة المحاصرة بمفردها من جهة أخرى لكن الأمل معقود في الله أن تفشل حملة إسرائيل العسكرية دون أن تحقق أيا من أهدافها السياسية والعسكرية وتعود أدراجها خائبة.