صلاح الساير
سألت الأصدقاء عن صديق كان يعمل في مجال التعليم، فقيل لي إن المعلم هجر المدرسة ويعمل سمسارا للعقارات، وبعد فترة سألت عن أحد العازفين المهرة من الذين درسوا الموسيقى، وحازوا فيها أرفع الشهادات، فجاء من يهمس في أذني بأن العازف صار مقاولا للبناء، فتذكرت انني صادفت صديقا قديما يعمل عسكريا وحين سألته عن أحواله العملية أجابني بأنه لم يعد كذلك فقد اكتفى بحصاد البورصة.
معلم يودع تلاميذه ويهجر مدرسته. موسيقار يحطم قيثارته ويمزق النوتة وعوضا عن الاهتمام بالسلم الموسيقي ينشغل بسلالم المنازل.
عسكري خبير بالحروب والكر والفر يوقف محرك دبابته، ويغادر الخندق تاركا سلاحه هناك، ليتمترس على جبهة الأوراق المالية ويتابع كر الأسهم وفرارها.
السوق تستهلك الإنسان، الكفاءات تذوب، المهن المختلفة تنصهر في مرجل واحد.
لا صوت يعلو فوق صوت الباعة والمشترين، فلا منطق يفوق منطق المكسب السريع حتى دارت الدوائر وكسدت الأسواق فحنّ المعلم إلى مدرسته والعازف إلى قيثارته واشتاق العسكري إلى بندقيته.