محمد الخالدي
تساهم كثير من الشركات العالمية وسلسلة المطاعم والمقاهي المشهورة والمنتشرة في مختلف دول العالم بتبرعات تصل للمليارات كل عام للحكومة الإسرائيلية، وتعتبر تلك التبرعات مصدرا أساسيا من مصادر بقاء إسرائيل وتعزيز ترسانتها العسكرية التي تطحن البشر كل يوم في فلسطين المحتلة، ولعلنا نعرف كثيرا من تلك الشركات.
بكلام آخر إذا علمنا أن المحافظة على المستوطنين اليهود داخل إسرائيل تشكل أحد أكبر التحديات التي تواجهها الحكومة الإسرائيلية، حيث تبذل جهودا كبيرة للحد مما يسمى بالهجرة المضادة المتمثلة بخروج هؤلاء اليهود من فلسطين المحتلة والعودة إلى أوطانهم الأصلية بعد أن يروا بأنفسهم أن الحياة هناك عبارة عن جحيم لا يطاق.
وإذا علمنا أن وجود تلك المستوطنات ابتداء من الصرف على بنائها وتجهيزها وصرف المساعدات المالية والمعيشية للمستوطنين فيها يقوم كله بأموال التبرعات التي تأتي لإسرائيل وليس من الحكومة، وإذا علمنا أن الجزء الأكبر من تلك التبرعات يأتي من شركات وسلسلة مطاعم ومقاهي عالمية يمثل فيها المواطن العربي بشكل خاص أحد أكبر المستهلكين، ندرك حينها بوضوح أننا جزء أساسي ولاعب رئيسي في عملية تأصيل وترسيخ الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، بل وشريك في تلك المجازر التي ترتكب بين الحين والآخر ضد الأبرياء في كل أنحاء فلسطين المحتلة، الذين هم اخواننا في الدين والعروبة والإنسانية.
خروج الناس للشوارع للتعبير عن حالة الغضب والتنديد بالمجازر الصهيونية ضد الأبرياء في غزة حدث مهم ويشكل ضغطا إعلاميا كبيرا على قادة العالم، وهو أمر يساهم بكل تأكيد في وقف تلك المجازر والحد من إطالة أمدها، وعلى كل حال إسرائيل لا تستطيع أن تصمد في عمليات مثل هذه لفترات طويلة خاصة في ظل هذا التواطؤ العالمي الذي يحاول أن يعطي غطاء شرعيا لتلك المجازر على اعتبار أنها دفاع عن النفس، فالشعوب تدرك بوضوح ما يحدث ونبرة الغضب ستزيد وتشكل ناقوس خطر لا يستهان به لكثير من الأنظمة الحاكمة.
وبالتالي فإن استمرار هذه الحملات الشعبية المنددة بالجرائم الصهيونية والتخاذل العالمي الصامت أمر بالغ الأهمية والفعالية أيضا.
غير أن ذلك لا يكفي بكل تأكيد، فهناك مخطط واضح وهدف معروف من عمليات الإبادة الجماعية ضد أهل غزة وهو القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة الوطنية كونها العقبة الأخيرة أمام تمرير مبادرات الاستسلام المذلة مع إسرائيل.
وعليه فإن الشعوب المسلمة والعربية بشكل خاص إذا كانت تريد حقا المساهمة في عمل شيء يخدم القضية الفلسطينية بصورة عامة والتخفيف عن أهل غزة آلام هذه الهجمة البشعة ونتائجها المدمرة فعليهم الاستمرار في هذه المظاهرات والاعتصامات ومطالبة أنظمتها الحاكمة بقطع العلاقات مع إسرائيل وفتح المعابر وتدخل مجلس الأمن من جهة، ومقاطعة تلك الشركات وغيرها ممن يعرفها الناس جيدا لتجفيف منابع التبرعات للعدو الصهيوني، ولو أن كل شخص فينا قرر بينه وبين نفسه مقاطعة تلك الشركات الداعمة لإسرائيل لخسرت تلك الشركات المليارات يوميا وهو أمر بالغ الأهمية في حسابات الرأسماليين الجشعين.
فليس لنا أي عذر في هذه الحملة مادمنا أصحاب القرار في هذه العملية فنحن الذين نشتري ونساهم في دعم إسرائيل وبأيدينا أن نتوقف عن ذلك ولا تملك أي حكومة في العالم القدرة على إجبارنا على الشراء، فهل نفعلها ونساهم بالفعل وليس بمجرد الكلام في التخفيف عن بشر يسحقون بلا رحمة أم نكتفي بإلقاء اللوم على حكوماتنا ونحن نجلس في مطاعم ومقاهي تدعم إسرائيل؟