- يقع على الأم العبء الأكبرفي تربية الأبناء والتأثير في سلوكياتهم
- الأبناء: قسوة الوالدين سبب للكذب والتمرد والانحراف و«لا تكن ليناً فتعصر ولا يابساً فتكسر
- الحب والحنان سبب رئيسيفي الامتثال للأوامر و «فاقد الشيءلا يعطيه»
أميرة عزام
يشتكي بعض الآباء من صعوبة السيطرة على تصرفات أبنائهم في ظل التطور التكنولوجي السريع والانفتاح الذي يصعب مع مراقبة التصرفات والسلوكيات ، انه عالم مختلف تماما عن جيلهم الذي عاشوا بساطته واستمتعوا بصفائه وجماله ، في حين يتذمر بعض الأبناء من معاملة آبائهم السلبية إما بالقسوة أو الإهمال ، مما يؤدي لتوسيع الفجوة بين الأجيال المتعاقبة، وحرصا على تقليص تلك الفجوات والتقريب بين الآباء والأبناء ، عمدت «الأنباء» إلى طرح وجهات الطرفين في تلك العلاقة الشائكة وجاءت الآراء كالآتي:
في البداية يقول عبدالله الفريح إن الوالدين في السابق كانا متفهمين لأبنائهم بطريقة صحيحة ولم يكن هناك صعوبة في تربية الأطفال ، فكان والدي ديموقراطي كأنه صديق واكتسبنا هذا الشيء منه وقمت به مع أبنائي فتعودت ان أكون أخاهم الأكبر أكثر من كوني والدهم، كما ورثت عنه الوازع الديني الصادق وكنت أمشي على طبعه بدون أن ينصحنا ، ولكن مع ذلك لي أخ لا يصلي ولا يملك الوازع الديني وأولاده بالتالي أصبحوا مثله لأن هذا الأخ لم يتأثر كثيرا بوالدي كما تأثر به الآخرون ، و أعرف شخصا ملتزما دينيا ويأمر الناس بالخير ولكن له بعض التصرفات الغير لائقة عندما يخلو بنفسه.
ومن جانبه يؤكد صباح الشمري أن الأب غالبا مشغول منذ عدة أجيال فيتأثر الأبناء بالأم أكثر مما سواها ، مشيرا الى ان والديه لم يكونا متعلمين ولكنهما حرصا على تعليمه وإخوته، كما أن تعاملهما البسيط واللطيف بنفس الوقت خلق جوا أسريا مترابطا ، مبينا أن الأب الذي يطيل سهره خارج البيت ويترك الأطفال تماما للأم ، يتعرض أولاده للمشاكل أكثر من غيرهم ، ويضيف أن له بعض الزملاء ممن يظهر عليهم الشكل المتدين ولكنه تفاجأ حين رأى نفس الشخص يخوض في أحاديث النميمة والإيقاع بين الناس ، فتمنى ألا يسيء مظهره للدين وأن يكون واضحا مهما كان فعله دون رياء.
من جهته يعترف عايد الشمري بتقصيره في الوجود مع أولاده لفترة ما بسبب الخلافات الزوجية وانفصاله عن والدتهم ، ويؤكد أنه لم يقصر ماديا مع أولاده ولكنه بات يدرك أهمية وجوده معهم ويحاول التقرب منهم والتودد إليهم خاصة البنات ، ويقول أنه يحبهم ربما أكثر من محبة أي والد لأبنائه ، ولكنه كرر ما فعله والده دون أن يشعر ، فقد ربته والدته وأحسنت إليه وتعلم منها الطيبة والرحمة والحنان ، ولكنه لم يجد والده بقربه في صغره بسبب انشغاله بزوجتين خلاف والدته، وهو ما يحاول أن يتفادى مع أولاده ،ويحاول الآن ان يتابع أولاده ودراستهم واحتياجاتهم النفسية لأنه أحس بسلبيته في الأيام الماضية معهم ، فهو لا يضرب ولا يسب ولا يلوم ويتعامل بمنتهى الطيبة معهم ولكنه بنفس الوقت لم يتابعهم ، مؤكدا انه لا يريد خسارتهم بعد 22 عاما من محبتهم بسبب زواجه الثاني.
ومن جهتها، انتقدت سارة العنزي أما لا يظهر رمشها للآخرين وتنصح الناس بالخير ولكنها لا تصل الرحم وبخيلة وترى منها العداوة، وتعلم أن بناتها أحوج للنصيحة ولكنها لا تنصحهم ولا تعيبهم بل تضع العيوب على الآخرين، وتخشى سارة على هؤلاء البنات من افعال الأم ، وتروي قصة جارتها الكويتية التي حصلت على الجنسية من زوجها ، وكانت شديدة العطف واللين والاكرام لأختها الغير كويتية فلم تكن تأكل اللقمة بدونها وتشتري لأختها كما تشتري لنفسها، حتى تزوج ابن الكويتية ببنت خالته الغير كويتية فظهرت العداوة والنفاق حيث أوقعت بين الرجل وأمه واشترطت عليه مقاطعتها ونجحت في التفريق بين الأم وولدها وبالتالي فإن أبناءهم متخبطون كيف سيصلون أرحامهم وكيف سيستقيمون في حياتهم اذا كان الوالدان بهذه الصورة؟
الأبناء يشتكون
أما الفتاة العشرينية أحلام فتؤكد أنها تضطر لإخفاء الكثير من الأشياء عن والدتها بسبب شدتها في التعامل معها وعدم وجود متنفس لها إلا بين رفيقاتها حتى الأسعار، فهي تحب أن تواكب صديقاتها في شراء الحاجيات وعمل الأسنان بمادة اللومنير والذي يكلف كثيرا فلا تسمح والدتها ولذلك تضطر لإخفاء السعر عنها حتى توافق ، وتماثلها بشائر التي تحب الحفلات الموسيقية الراقصة مع صديقاتها في حين ترفضها الأم المتدينة ولكنها تؤكد تناقض الأم في التعامل فالأم تستمع إلى بعض الأغاني التي تميل لها بينما تفرض على بناتها عدم الاستماع، بالإضافة أنها علمت من خالاتها أنها كانت تعلق صور المطربين في غرفتها حينما كانت في نفس العمر وكانت تلبس ما تشاء وتفعل ما تشاء دون أن يجبرها أحد أو يحدد لها قيودا وتتعلل بحجة أن هذا الزمن غير آمن بينما الماضي كان آمنا.
وبدورها تشرح منى خالد معاناتها في العمل حيث وجدت مجموعة من المتآلفات لاشتراكهن في صفة واحدة ولا يقبلن أن تدخل بينهما جديدة، في حين أنهن يضحكن في وجهها ويتكلمن بالدين ولكن رأت منهن الغدر بمحاولة الإيقاع بينها وبين مسؤولها ، وتصف المسؤول كذلك بالميول ، فعندما طلبت ساعتي الخروج لأجل طفلها وذلك مسموح لها قانونا، رفض في حين وافق لزميلة أخرى تجيد الضحك والأسلوب المتلون، وتشعر بأن السبب في ذلك أن والدتها بسيطة وغير متعلمة فلم تعلمها كيف تأخذ حقها من الآخرين ولم تعرف الأساليب الديبلوماسية التي تمكنها من التعامل بكل المواقف، فلا تملك إلا الأسلوب الصريح والمباشر ولم ترث النفاق الذي يمكن أن يصلح في هذه الحالة.
ومع ذلك فهي تفضل أن يبقى دائما المسؤول رجلا عن أن يكون امرأة لأنها ترى أن المرأة تتعامل بالأهواء وتساعد من تحب وتهلك من تكره.
ومن جانبه يقول الشاب أحمد علي إن والده غير مستقيم ولكنه يحبه كثيرا لأنه لا يرفض له طلبا ماديا أبدا ويتركه على راحته ولا يسأله عن شيء أو يلزمه بشيء بل يعامله كصديق في حين يتهرب من والدته لأنها مستقيمة وجادة فتحاول أن تشد عليه في الصلاة والدراسة والالتزام، وهو معجب بشخصية والده لأنه ينال الحرية منه ولكنه يحترم والدته لأنه يعلم أنها على صواب ، أما مساعد فيعترف بالتدخين رغم صغر عمره ورغم أن والده شيخ معروف بين الناس، ولكنه وجد نفسه بين شباب أكبر منه عمرا كلهم يدخنون ويفعلون ما يروق لهم فيتسلى معهم خاصة أنه لا يجد الاحتواء من والديه رغم أنهما طيبان وغير منافقين.
الآباء يعترفون
ومن زاوية أخرى يعترف محمد الرويعي بأنه يدخن ولكنه لا يريد أن يفعل أولاده ذلك فيخفي عنهم ولا يدخن أمامهم، كما أنه يحاول أن يضغط عليهم في الصلاة ويحاول أن يلتزم لأجل أن يكونوا ملتزمين فهو لا يريدهم أن يتبعوا أي خطأ يرتكبه، بل يريدهم أفضل منه ، ويصف بعضا من النساء ممن فوجئ بحبهن لطرق محرمة في حين أنها متسترة بالكامل ولا يدري ان كان ذلك خطأ في تربيتهن أو إكراه على الدين وهن بعيدات عنه.
وتشتكي الوالدة فايزة السعد من شغالتها التي ربتها منذ سنوات وتعاملها كإبنة لها ، ولكنها تغشها بذبح الطيور التي تربيها حتى تنتقم من زميلتها ، وتقسم أنها لا تفرق بينها وبين أولادها في المعاملة لأنها تقدر غربتها ووحدتها ولكنها مهما حاولت احتواءها يظهر منها فعلا يدل على الكراهية وهي ترجع ذلك إلى طريقة التربية في الصغر، لأن الطبع يغلب التطبع وتدرك أنها مهما حاولت أن تكون جيدة لابد وأن يظهر النفاق في بعض تصرفاتها كردة فعل لما عايشته في طفولتها.
وفي المقابل، تشتكي الوالدة فاطمة محمد من زوجة ابنها التي تأتي ببعض التصرفات المؤلمة كأن ترمي الطعام على فرشها لتغيظها أو إيذاء خادمتها بكثرة العمل في حين أنها تقوم بكافة الأعمال عنها لتريحها ولكنها تصبر لأجل ابنها ، كما أنها تدرك الخلل فهي فتاة نشأت يتيمة حيث توفي والداها في طفولتها ولم تحسن إليها زوجة الأب.
وتعطي الوالدة موقفا معاكسا لزوجة ابنها الآخر التي تعاملها بلطف وحنان وتجيد استقبالها وتجد منها الأسلوب الراقي رغم انشغالها بالعمل والدراسة.
وتتعجب غنيمة أبل من إكراه بعض الآباء وترك البعض الآخر الحبل على الغارب فتقول «لا تكن ليناً فتكسر ولا يابسا فتعصر وخير الأمور أوسطها كما يجب على الجميع أن يتذكروا أنه «لا إكراه في الدين» وان الانسان يولد على الفطرة السليمة ومن منطلق هذه المفاهيم رباني والدي على الاعتدال الديني ولم يكرهاني بالدين إطلاقاً ودائماً كانا يقولان ان التزامك دينياً ما هو إلا شأن وعلاقة خاصة بين العبد وربه وترك العبادات لن تنفع أو تضر احدا غيرك، وان الله لا يحب ان يقول العبد مالا يفعله وان يأمر الناس بالبر وينسى نفسه فيصبح منافقا وان الدين لا يقتصر على أركانه الخمس فقط ولكن الدين معاملة وخلق فأيقنت بعدها ان الأخلاق تغذي الجانب الروحي وتطوره وحرصت ان اغرس ما تربيت عليه من مفاهيم في أبنائي ولكن بأسلوب يواكب العصر الذي نعيشه لان الوسائل الحديثة جعلت هذا الجيل يبتعد عن التلقين ويتجه للبحث وهذه الوسائل سلاح ذو حدين ، وتضيف بالنسبة لي لا اسمح لنفسي بان آمر أبنائي واحثهم على شيء وانا افعل عكسه بالذات فيما يخص الجانب الديني حتى لا تهتز صورتي وافقد احترامهم واكون في نظرهم منافقة، فمثلا لا يمكن اطلب منهم صلة أرحامهم وأكون انا قاطعة للرحم.
الصدق أولا
ومن تجربتها الخاصة، تقول فوزية المعتوق: «أتذكر ان أمي كانت تحثنا على الصوم وكنا نخرج من البيت صائمين وعندما اذهب إلى المدرسة وأرى بنات الصف يأكلن آكل معهن وعندما أعود إلى البيت أمثل اني صائمة ومتعبة جدا من الصيام، ولكن والدتي العزيزة كانت تقول: صيامك لك فانت تأخذين الأجر والثواب لا أحد غيرك، كانت تعطينا الدرس من غير عقاب فأعاتب نفسي وأشعر بأن ما فعلته خطأ فلا أكرره».
وتقول أم احمد إن تربية الأبناء يجب أن تقوم على أسس متينة، تبدأ باختيار الزوجة الصالحة، فاظفر بذات الدين تربت يداك، ثم مرحلة الحمل والولادة والنشأة الأولى هي مسؤولية الأم، ثم يأتي دور الأب في سن السابعة تقريباً، التضحية ضرورية جداً وكذلك العطف والحنان والحب والرعاية والاحترام والتحلي بالقيم والأخلاق الإسلامية السمحة، وعلى الوالدين أن يكونا قدوة لأبنائهما، وبالتالي يستفيد الأبناء من الآباء ويتأثرون بهم، فأنا قد تعلمت من الوالدين التضحية والإيثار وقوة الشخصية لذلك قمت بتربية أبنائي على المبادئ نفسها.
وتشارك خديجة الرشيدي بما تؤمن به من ظلم الوالدين أحيانا لأطفالهما فتقول عن امرأة وجدت أحمر شفاهها مكسوراً فاستشاطت غضبا .. فضربت ابنتها التي وجدت يديها ملطخة به، وعندما خرجت وجدت أنها رسمت به قلباً على بابها وكتبت بجانبه: أحبك ماما، وتشير إلى أب متناقض كان يصرخ في وجه ابنه ويطالبه بالسكوت ليستكمل قراءة كتاب بعنوان «كيف تمتلك قلب ابنك؟».
الحب والحنان
أما رقية فتروي قصتها مع والدتها التي كانت فظة المعاملة معها في صغرها ولم تسمع منها كلمة حب واحدة أو تذكر أن أمها ضمتها ولو لمرة واحدة، بالإضافة لانشغال والدها الدائم عن البيت إما بالعمل أو اللهو مع أصدقائه، فوجدت نفسها هي التي تعطف على والديها وبدأت تتفهم نفسيتهما بعدما عانت كثيرا من شدة الأم وعدم تفهمها ونفاقها الديني والسلوكي فهي دائمة الكذب على الوالد لخوفها منه وتجنبا لبخله وبطشه وبالوقت نفسه تأمرهم بعدم الكذب والالتزام بالصراحة والصدق، ولكنها الآن تحاول برهما وتعطف عليهما لأنها أدركت الظروف التي تسببت في عقلية الأم السطحية وتقلب مزاجها بين تفريغ الكراهية والعنف في أولادها من جهة وحرصها على ان تجد منهم ما ينفعها من جهة أخرى، وأرجعت السبب في ذلك إلى فقدانها الأم منذ نعومة أظافرها فلم تجد الحنان من أحد في أهلها وبالتالي فاقد الشيء لا يعطيه، كما ان تجاهل الوالد وسلبيته كانا لسبب مغاير تماما، فأمه كانت حنونة وقريبة منه ولكن والده حمله الكثير من المسؤولية وكان شديدا قاسيا معه ولم يشعر بطفولته مما أدى إلى تركه للمسؤولية في الكبر والبحث عن اللهو الذي لم يجده في طفولته.
وتقول «أصبحت أما حنونة لوالدين لم يجدا الحنان في طفولتهما، وأحاول الصبر على شدة الأم والأب السلبي الذي لا يفرق بين أعمار أولاده».
الجمعة: الأطفال كالبذرة ومثلما نزرع نحصد والتعامل معهم فن يجب تعلمه
تروي الباحثة الاجتماعية عائشة الجمعة نماذج واقعية حقيقية بين الآباء والأبناء، وتؤكد على الاهتمام والمحبة والحنان من الوالدين لأبنائهما لأن الطفل كالبذرة وكما تزرع تحصد، ومن ناحية أخرى توصي الأبناء والبنات بالصبر على بعض التصرفات السلبية للوالدين والتماس العذر الدائم لهما فالحب بداخل قلبيهما ربانيا لأبنائهما ولكن هناك من يجيد توصيل هذه الرسالة بالمحبة والحنان وآخرون يقدمون اللوم والقسوة والذم باعتقاد أن ذلك سيصلح أبناءهم وهم في الحقيقة لا يجيدون التعامل مع أبنائهم.
وتضرب الجمعة مثالا لصبي في الـ 16 من عمره جاء مع والدته رافضا أن يكون رجلا بسبب تعسف الأم وشدتها فإنها تضربه حتى يصلي وتشرقه من المياه التي تسكب على وجهه ليقوم لصلاة الفجر فيقول إنه كره الدين وكره أمه وكره أنه رجلا يفرض عليه العديد من المسؤوليات وتعيبه والدته دائما »أنت لست رجلا اذا لم تفعل كذا وكذا..».. فكانت الأم هي السبب بسوء تعاملها معه، وتضيف الجمعة أنها عندما تحدثت لهذا الصبي بعطف أنه مثل ابنها وأنها تحبه وتحب أن يكون نافعا ولابد أن يعيش لذاته لا لأجل الآخرين فوجئ وأخبرها بأنه لم يسمع كلمة الحب من أمه طوال عمره وهي في دقيقتين من معرفته يسمعها منها، وبعد فترة بسيطة من التواصل مع هذا الولد تعدل سلوكه وأصبح يحب الصلاة من نفسه لأنه أدرك أنها علاقة خاصة بينه وبين ربه ولا شأن لغيره بها فعندما أصبح غير مكره ولا مضطر جدد حبه لذاته وحياته وعرف طريقه، وتذكر أنها نصحت الأم بأن تكف عن إيذاء ولدها باللوم والذم والتعسف وتعبر له عن محبتها له بلطائف الكلمات وجميل الابتسامات.
وطلبت من الأب أن يعطي يوما في الأسبوع لأبنائه ينصحهم بطريق غير مباشر عن طريق القصص، وأخذ الولد يرسل لها في كل عيد ومناسبة رسالة تهنئة وشكر أن دلته على حياته التي كادت تضيع.
وأشارت إلى صبي آخر في الـ 12 من عمره أتت به عمته تشكو تعرضه لسلوكيات خاطئة وعادات بذيئة، فقد ألزمه والده بالمكوث في المسجد ولا يقطعه حتى يحفظ القران، ونسي هذا الوالد أن ابنه يحتاج إلى وجوده واحتوائه وصحبته وصداقته وهو أهم من توصيل معلومات لا يدرك الولد الهدف منها، فتعرض الولد لأشخاص أكبر منه سنا لاحظوا وجوده الدائم في المسجد فاصطحبوه معهم إلى نزهاتهم وأصبح مدخنا وضائعا لأنه وجدهم المتنفس الوحيد له في ظل عدم إدراك الأم وتسلط الأب وضربه له في حال ترك المسجد، وكان الحل ألا يكون الأهل في غفلة عنه وأن يكون بصحبة آمنة من رفقاء الخير وألا يكون بمفرده عرضة للفراغ النفسي والعاطفي واحتواء الوالدين وحنانهما له.
وعلى الجانب الآخر تروي الجمعة قصة فتاة تشكوها والدتها للآخرين وتقوم بلومها لتأخرها في الدراسة وإهمالها مما يسبب النظرة الدونية للبنت من الآخرين والأم لا تدرك أنها تؤذي ابنتها ولا تفيدها، فحاولت نصح الأم بألا تفعل ذلك أمام الحضور والمحافظة على أسرار بيتها، وعندما لاحظت البنت ذلك اتصلت بها تشكو معاناتها فقد وجدت نفسها مرابطة لمجموعة من البنات علمنها التدخين وأبعدنها عن الدراسة لأنها تسمع منهن الكلمات اللطيفة والمدح وتجد فيهن بعض الحنان الذي لم تعرفه نهائيا في بيتها، كما أن الوالدة لا تبالي بمبيت هذه الفتاة عند صديقاتها فقد يئست منها لتأخرها وتركت لها الحبل على الغارب واكتفت باللوم والشكوى والإهانة، ولكن متى تدرك أمي حقيقة الوهم الذي تعيشه بمدحها الزائد لنفسها وهو مجرد سراب تتمنى أن يكون حقيقة» فأدركت الجمعة حينها أن كثيرا من الأمهات تلومن بناتهن أو أولادهن في حين انها سبب المشكلة، فالبنت تحتاج لكلمات مادحة وحنان زائد حتى لا تبحث عنه في منحدرات الطرق وصواعق الحياة.
ومن النماذج الطيبة التي ترويها الجمعة، قصة أب بسيط يبيع السمك وأم أمية لهما من الصبية 5 ومن البنات 8 ولكن جميع أولادهم متعلمون وفي أفضل المراكز لحرصهما على الحنان والتلطف معهم وتقول المدهش من هذا الأب أنه كان حكيما رغم أنه أمي فكان يقول لأولاده «أنا ذاهب للصلاة ومن يحب أن يكون في الجنة فليأت معي» ولذلك لم يكره أحد وأصبحوا جميعا مستقيمين دون تشدد أو رياء لأنهم شهدوا فطرة هذا الرجل كما أن والدتهم لم تعرف النميمة ولا الحقد ولا الحسد فشهدت البركة والخير في جميع أولادها ولازالوا يفتخرون بهما وبالتعب الذي عايشوه من أجل لقمة الحلال التي عودوهم عليها.
وأشارت إلى رجل بار بزوجة أبيه ويشترط على زوجته إكرامها لأنها ربته منذ صغره وأحسنت إليه كثيرا عاطفيا وماديا ولم تفرق بينه وبين أخته التي هي ابنتها، بل فضلته عليها في بعض الأمور لأنها وجدت منه حسن الأخلاق وتأكدت أنه خير سند لها ولأخته فكتبت كل ما تملك باسمه ثقة بأنه ولدها فعلا.
ومشابهة لذلك تذكر الجمعة قصة فتاة تزوجت أمها الكويتية من غير كويتي وهو والدها ولكن زوج أمها الكويتي قد أكرمها وأحسن إليها وعاملها كأنها فعلا ابنته وهي تشكر والدتها أنها لم تفرق بينها وبين إخوتها الآخرين كما اختارت لها والدا حنونا يعاملها أفضل من والدها الحقيقي.