في خضم هذه الفوضى العارمة بالشرق، والانقسامات السياسية والطائفية، وهذا التناحر، نرى قلة من المنفيين، صامتين رغما عنهم، يتابعون المشهد وهم مكبلون بأصفاد التصنيف الذي أطلقه عليهم أولئك «الهتيفة» وهو «الجبناء»، لماذا جبناء؟ لأنهم باختصار لم يقعوا في أفخاخ الفرق المنقسمة، وتعلموا من دروس التاريخ، وارتقوا لدرجة عالية من العلم والحياد، فأصبح همهم الأول والأخير في هذا العالم هو الإنسان، والمحافظة على دمه وحقه مهما كان انتماؤه، هل ترى يا عزيزي؟ صنفوا جبناء فقط لأنهم حكماء، وأصحاب رسالة سلام سامية، ويقفون على مسافة واحدة من الجميع، والحق عندهم لا يتجزأ، إنهم أصحاب الصوت الثالث، صوت المنطق والعقل والحكمة.
تساءلت كثيرا.. لم بات صوتهم منخفضا؟، ولماذا لم يعد للحكمة مكانا؟، فوجدت أن الإنسان المعاصر يعيش أسوأ مراحله الروحية، فهو يرى ببصره وليس ببصيرته، يشعر بالخوف إذا وجد نفسه في منطقة رأي يخالف توجهات السائد، فيلجأ لأحد الفرق بحثا عن أمان مزعوم، وانتماء هش يعطيه ثقة مهزوزة جاهزة للسقوط والذوبان لحظة بزوغ شمس الحق والدليل، كل ذلك بسبب عدم المعرفة، والجهل بالصورة الكلية والاكتفاء بالجزئيات، وثقافة قصاصات الورق التي تلقاها في مراحل تعليمه السيئ ببلده، وهوامش الأفكار التي يتبناها، وإلغاء العقل من المعادلة، والمصيبة الأكبر أنه لا يعلم بأنه لا يعلم، وبالتالي أصبح كل فوضوي يهتف بصوت عال بلا هدف ولا رسالة مستخدما الهجاء والعنتريات والكلمات التي لها وقعها السمعي عليه مبجلا منه، حتى يصل إلى مرحلة يدافع بها عن سلبيات قائده قبل إيجابياته، وقد يسفك دماء الآخرين فقط لأنهم خالفوه الرأي، والثمن هو دم الإنسان الذي باتت عظامه حطب نار الحروب، ودماؤه كيروسينها.
@tareq_al_freah