في غياب المنطق يصبح اللامعقول واقعا، تنقلب الموازين وتتبدل المعايير، وتتحول الأفكار الشاذة إلى عنوان للحقيقة ومحل إجماع العامة، فتضيع بوصلة التمييز بين الحق والباطل وتطرد العملة الرديئة الجيدة من التداول.
حال المجتمع المصري بعد 4 أعوام بالتمام والكمال من عمر ثورة 25 يناير لم يكن ليتوقعه أكثر المتشائمين، فهو لا يسر عدوا ولا حبيبا، حيث يعيش المصريون مشهدا ملتبسا وحالة من حالات الفرز والاستقطاب الرهيبة والخطيرة التي تهدد كيانه وتقوض أركانه بتيارات وكانتونات متصارعة تعتمد أدوات التخوين والتكفير نهجا صريحا في تقسيم المجتمع الذي استعصى على أعتى الجيوش وتحالفات الدول، فإن كنت من مؤيدي الرئيس السيسي فأنت في نظر الإخوان ومن يتحالفون معهم كافر تنحاز إلى الفئة الضالة، وإن كنت من مؤيدي الإخوان وتحالف التيارات الإسلامية فأنت إرهابي مخرب، وإن كنت لا مع هؤلاء ولا هؤلاء ـ لا سيساوي ولا إخواني ـ ولكنك صاحب رأي وموقف غيور ينتقد بعض الأوضاع الحالية وضعف الحكومة في تحقيق طموحات الشعب وأهداف الثورة فأنت بالتأكيد خائن عميل ممول من قوى أجنبية، لا توجد منطقة وسطى ولا مجال للحياد الموضوعي، فإما أن تكون مع المداحين وحملة المباخر أو الكارهين المبغضين.
بالرغم من متابعتي الحثيثة للقنوات المصرية على اختلاف مشاربها ـ سواء المؤيدة للنظام أو المعارضة له ـ إلا أنني توقفت مليا أمام مشهدين، الأول اعتراف عمرو أديب في برنامج القاهرة والناس مخاطبا الإخوان «لعبة الدولة الفاشلة دي اختراعنا واحنا اللي عملناها فيكم وفشلنا مرسي»، أما الثاني من قناة الشرق التابعة للإخوان المسلمين على لسان محمد ناصر يقر بأن أرقام وعناوين ضباط الشرطة بحوزة الشباب في الشارع، مهددا الضباط بالقتل وخطف أبنائهم، داعيا زوجاتهم إلى منعهم من الخروج من المنزل حفاظا على سلامتهم. المشهدان يبينان حجم الأزمة والخدعة الكبرى التي يعيشها المواطن المصري بين طرفي الرحى وشد وجذب بصراع على المكشوف، من يؤلب الرأي العام ويوجهه بمكائد وتلفيق لا يختلف عمن يخرب منشآت الدولة ويقتل المصريين سواء مدنيون أو عسكريون، كلاهما مجرم يجب أن يحاكم بعدالة ناجزة تشفي غليل أسر الشهداء والمغيبين الذين استخدموا وقودا للحرب الخفية، للمرة المليون هذه الثورة لم تبح بأسرارها بعد ومازالت تحمل في بطنها الكثير من الكواليس الخفية التي ستقلب الموازين.
شيماء الصباغ أمينة العمل الجماهيري بحزب التحالف الشعبي وعضو تحالف 30 يونيو راحت ضحية رصاصة غادرة لم تفرق بين مسيرة سلمية وعملية إرهابية، ـ بغض النظر عمن قتلها وعن تفاصيل تقارير الطب الشرعي ـ هي لا إخوانية ولا إرهابية دفعت روحها ثمنا لأنها مازالت مؤمنة بأن ثورة 25 يناير كانت نقطة مضيئة في تاريخنا وأن شهداءها الورد اللي فتح في جنانين مصر.. يا وجع القلب يا شيماء.
٭ خلاصة الكلام:
قال الإمام علي بن أبي طالبرضي الله عنه: «حين سكت أهل الحق عن الباطل، توهم أهل الباطل أنهم على حق».
وقال توماس أديسون: «سقوط الإنسان ليس فشلا ولكن الفشل أن يبقى حيث سقط».
[email protected]