أحد اهم أسباب سقوط الفكرة النازية أنها قامت كفكرة سياسية عنصرية بيولوجية قومية لإقصاء الآخر ـ أيا كان الآخر ـ واعتبار كل من هو من غير الجنس الآري بمرتبة اقل، ومن تلك الفكرة العنصرية النشأة والأهداف انطلق ادولف هتلر معها لبسط نفوذه التوسعي، بل ان معها نشأ أطباء وعلماء ألمان من مؤيدي هذا الفكر ليخرج معهم ما يعرف بعلم الصحة العنصري، الذي يقوم في الأصل على تحسين السلالة الألمانية ولم تكن القوانين التي صدرت بموجب أبحاث ذلك العلم تهدف الى إقصاء اليهود فقط والذين اعتبرهم الحزب النازي «غرباء» على الجسد الألماني، بل ان القوانين اعتبرت ان كل من هو لائق صحيا يعتبر خطرا على الدولة القومية الألمانية، ليصدر قانون في العام ١٩٣٥ يحظر زواج «اللائقين صحيا» من «غير اللائقين صحيا» حتى ولو كان غير اللائقين آريون ابا عن جد بل و«مرددون» حتى سابع جد.
ورغم ان المحللين السياسيين والمؤرخين يرجعون سبب سقوط النازية للحرب الثانية بفتح جبهات متعددة في آن واحد كسبب رئيسي أدى الى هزيمة ألمانيا وتقسيمها الى دولتين، الا ان هذا السبب هو الذي عجل بسقوط الحلم التوسعي النازي، واعتقد انه حتى ولو لم يرتكب هتلر ذلك الخطأ الاستراتيجي العسكري، بل انه حتى لم يقم بخوض الحرب اصلا، لكانت النازية ستسقط لوحدها دون تدخل لا السوفييت ولا الولايات المتحدة والحلفاء.
وذلك ان اي دولة تقوم على الغاء الآخر بداخلها وتصنف مواطنيها طبقا لدرجات تحدد بالجنس او الدين او الفئة او المذهب هي دولة تحتضر دون ان تعلم، ودولة آيلة للسقوط تحت وطأة اقل رياح سياسية سواء كان مصدر تلك الرياح داخليا او خارجيا.
فكم كانت ألمانيا القومية الآرية النازية ستستمر لو لم تدخل حربا عالمية؟ الجواب ببساطة هو ان حدود بقائها زمنيا لا يتعدى النصف قرن، أي لو فرضنا ان الدولة الألمانية انطلقت بالنازية كفكر حكم عنصري في بداية ثلاثينيات القرن الماضي فكانت ستسقط حتما خلال الخمسين عاما التالية، اي انها كانت ستنهار وتتفكك في نهاية ثمانينيات القرن الماضي او على أقصى تقدير كانت ستسقط في بداية التسعينيات.
نظريا محاولة اي دولة في العالم خلق شعب من شكل وفكر ودين واحد هي محاولة انتحار دولة، او بالأصح مشروع سقوط دولة، وأي دولة لا تؤمن بالتعددية العرقية والدينية والمذهبية وتصنف مواطنيها وفق انتماءاتهم او تصنفهم الى درجات جنسية او مذهبية او دينية هي دولة مآلها الى الانتهاء.
وبلدان العالم الثالث في الغالب تعتمد الفكر النازي، وليس بالضرورة ان تعتنق ذلك الفكر عرفيا او قوميا بل بعضها تعتنقه بشكل ديني او مذهبي وتتعمد سياسة إقصاء الآخر، وللأسف ان الدولة في بعض بلدان العالم الثالث كحكومة ليست وحدها التي تتعامل وفق هذا الفكر العنصري بل شعوبها داخليا يؤمنون بوجود طبقية وضرورة لإقصاء الآخر، فالأغلبية في تلك الدول اذا كانت تنتمي الى دين معين او مذهب معين يرون كأفراد من الأغلبية افضل من الأقليات من الأديان والمذاهب او العرقيات الاخرى، لذا نجد ان دول العالم الثالث وتحديدا دول الشرق الأوسط هي الأقل استقرارا سياسيا واقتصاديا بينما دول العالم الأول التي تنبذ العنصرية الأكثر استقرارا.
دول العالم الثالث ودول الشرق الأوسط لن تستقر وتصبح دولا منتجة حقيقية ومنارات علم الا بعد ان تتخلى شعوبها عن الإيمان بضرورة إقصاء الآخر.
النازية ليست صليبا معقوفا وفكرة سيادة الجنس الآري، بل هي فكرة تقوم على العنصربة القومية وأساسها إقصاء الآخر، لذا عمليا النازية انتهت في ألمانيا وتم سحقها وها هي ألمانيا تعود ومنذ بداية الألفية الجديدة قوة رئيسية في العالم، وعمليا ايضا فالنازية لم تنته كفكرة اقصائية بدليل انها تعشعش في أدمغة شعوب كثيرة من دول العالم الثالث.
[email protected]