العرب تتمثل بهذا العنوان عندما يكون الخطر محدقا.. و(الزبى) جمع (زُبْيَة) وهي الرابية المرتفعة من الأرض التي لا يبلغها السيل، وهذا المثل ينطبق على ما وصل إليه الحال في سوق الأوراق المالية.
فقد تسلل الخوف والرعب والهلع إلى نفوس المتداولين بعد أن فقدت معظم الأسهم ما لا يقل عن 60% من قيمتها السوقية ولا أحد يعرف متى تصل القاع.
نعم: انخفاض أسعار النفط يدعو للقلق والتفكير بانتهاج سياسة شد الحزام، وضبط المصروفات وتغيير الأولويات، والمبادرة بوضع الخطط المناسبة لمواجهة هذه الظروف المستجدة، ولكن ما يسود سوق الأوراق المالية من ذعر وخوف هوى بأسعار الأسهم إلى ما وصلت إليه غير مبرر خصوصا أن كثيرا من الشركات والبنوك نتائجها جيدة، وقد أعلن بعضها عن أرباح مجزية، والكويت تملك احتياطيات مالية ضخمة بلغت ما يزيد عن خمسمائة مليار دولار، لا بد أن يكون لها عوائد تسد العجز أو معظمه إلى أن يتوازن السوق النفطي مرة أخرى بعد هذا الهبوط الناتج عن أوضاع سياسية دولية وإقليمية تسود المنطقة فتكرس هذا الوضع الراهن.
هل يعقل: أن كل هذا يحدث ولا نسمع تصريحا من مسؤول يطمئن به المتداولين، ويؤكد عزم الحكومة على أنها لن تتخلى عن رعاية سوقها وحمايته كما تفعل كل دولة في ظروف مماثلة؟
وهل من المعقول: ألا تغري هذه الأسعار المتدنية هيئة الاستثمار بالدخول في السوق واقتناص الفرص لتشتري أسهما قيادية فقدت أكثر من نصف قيمتها؟ بينما ملياراتها الخمسمائة موزعة على أسواق العالم في شتى أصقاع المعمورة بعضها في أسواق ناشئة الربح فيها غير مضمون.
لقد سبق للحكومة أن تدخلت في السوق سابقا ثم عادت وباعت تلك الأسهم بعشرة أضعاف، وخير مثال سهم الصناعات الوطنية فقد باعته الحكومة على الناس بـ (دينار و400 فلس)، واليوم لا يتجاوز السهم (100 فلس) أو يزيد قليلا.
جاء في قول مأثور: «اغتنموا الفرص فإنها تمر مر السحاب» ولو أن الحكومة أيام الرخاء بدلا من أن توجه استثماراتها إلى الخارج، وجهت جزءا من استثماراتها واحتياطياتها إلى الداخل، وفعّلت قانون الـ «b.o.t» فاستدرجت شركات صناعية كبرى لإقامة مشاريع مشتركة داخل الكويت لضربت أكثر من عصفور بحجر واحد، ففي هذا العمل ربطت الكويت اقتصاديا بدول تلك الشركات مما يجعل أمن الكويت مصلحة لها، ثانيا: توطين رؤوس الأموال الوطنية داخل الكويت.
ثالثا: وهو الأهم، أوجدت بقيام تلك المشاريع آلاف الوظائف للشباب الذين يفدون الى سوق العمل سنويا لتستوعب تلك المشاريع أعدادا من أولئك الخريجين.
يبدو أن من وضع القانون الأساسي لهيئة الاستثمار - والله أعلم- خبراء أجانب.. ومن هنا كان كل تركيزهم أن تستثمر كل أموال الكويت بالخارج لتنتفع بها بلدانهم، ومما لا شك فيه أن تلك الاستثمارات هي عرضة للتقلبات السياسية في تلك البلاد وتذبذب العملات والقرارات غير المدروسة، مما يجعل تلك الأموال المستثمرة أقرب للخسارة منها إلى الربح، خصوصا أن نتائج استثمار هذه الأموال غير معلنة أو منشورة وهي تفتقر إلى مزيد من الرقابة والشفافية ولو أعلنت ربما رأينا العجب العجاب.
قرأت اليوم في بعض الصحف أن مجلس الأمة سيناقش الوضع الاقتصادي في التاسع من شهر فبراير، ومن المهم أن يكون موضوع احتياطيات الدولة وأموالها المستثمرة في الخارج، وتوجيه جزء من تلك الاستثمارات للداخل موضع النقاش.
وهذا ما أعتقد أنه متداول في المجلس الأعلى للتخطيط هذه الأيام.
يخطئ من يظن أن سوق الأوراق المالية هو مصلحة شخصية لحفنة من التجار، وهذا مع الأسف ما يعتقد به قصيرو النظر من الناس، فسوق المال مرآة حقيقية لكيان البلد وركيزة من ركائز أمنه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وتلك حقيقة أرجو ألا تغيب عمن بيده إدارة الشأن الاقتصادي في هذا البلد ومن هو غيور على رفعته واستقراره.
تحتفل الكويت هذه الأيام بمرور عشر سنوات على تسلم سمو الأمير، حفظه الله، مسند الإمارة مما يستوجب الدعاء إلى الله العلي القدير أن يحفظ هذا البلد بقيادته الرشيدة، ومما لا جدال فيه رغبة سمو أمير الإنسانية أن يرى الكويت مركزا ماليا عالميا، ومن هنا تتجه الأنظار لسموه لاتخاذ مبادرة تتويجا لما يدعو إليه بتعديل المسار الاقتصادي للبلاد ليجتاز هذا الوطن ما يواجهه من مصاعب اقتصادية بما عرف عن سموه من حكمة ورأي سديد.
والله ولي التوفيق.