أشـار بنك الكويت الوطني في نشرته الاقتصادية الأخيرة إلى أن مجموعة من العوامل والتي تمثل أهمها في الإجراءات الرسمية الاستثنائية وارتفاع أسعار النفط وتحسن درجة الثقة في آفاق الاقتصاد العالمي، أسهمت في توفير دعم ملحوظ لأداء الاقتصاد الإماراتي خلال العام الحالي، وستسهم أيضا في تعافيه في العام المقبل، لكن من غير المرجح أن يكون هذا التعافي قويا بالدرجة المرغوبة.
فعلى الرغم من استقرار النشاط الاقتصادي بعد الصدمات الكبيرة التي تعرّض لها خلال الربع الأخير من العام الماضي والربع الأول من العام الحالي، إلا أن مستوى الدين المرتفع وضعف حجم الائتمان الممنوح من البنوك وتراجع أرباح الشركات وتباطؤ السوق العقاري ستستمر جميعها في التأثير سلبا على اقتصاد البلاد لعام إضافي على الأقل.
وبالإضافة إلى ذلك، رأى الوطني أنه مازال هناك العديد من المحاذير الأخرى التي من شأنها أن تؤثر سلبا على تقديرات النمو لاقتصاد الإمارات، ومنها أن يأتي نمو الاقتصاد العالمي بطيئا جدا، أو أن تتدهور أسعار النفط مجددا، إلى جانب احتمال تعثر بعض الشركات الكبيرة التي تتخذ من الإمارات مقرا لها عن الوفاء بالتزاماتها، أي باختصار، قد يشهد الاقتصاد الإماراتي فترة من النمو الضعيف مقارنة مع الاقتصادات الخليجية الأخرى، بعدما كان أحد أقوى الاقتصادات في المنطقة خلال السنوات الخمس الماضية. وأشار الوطني إلى أنه من المرجح أن يشهد الناتج النفطي بعض التعافي مقارنة مع حجم التراجع الذي أصابه في العام الحالي، إذ توقع أن تعوض أوپيك جزءا من حجم الخفض الاستثنائي في مستويات الإنتاج الذي أجرته خلال الـ 12 شهرا الماضية، بشكل كاف لرفع الناتج النفطي الحقيقي للإمارات بواقع 5%، بعدما كان قد تراجع بنحو 9% في العام الحالي.
وبالإضافة إلى ذلك، توقع الوطني أن ترتفع أسعار النفط خلال 2010، لكن نتيجة ضعف النمو في الاقتصاد العالمي وارتفاع القدرة الإنتاجية الفائضة لأوپيك، فإن ارتفاع أسعار النفط سيأتي معتدلا ومن هذا المنطلق، توقع الوطني أن يبلغ متوسط سعر برميل النفط 65 دولارا في العام 2010، مقارنة مع 60 دولارا في 2009، وبالأسعار الجارية، نتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي النفطي للإمارات في 2010 بواقع 13%، وفي هذا الإطار، من المفيد الإشارة إلى أن إمارة أبوظبي قد حافظت على حجم استثماراتها في القطاع النفطي خلال الأزمة، وذلك في إطار استراتيجيتها الرامية إلى رفع قدرتها الإنتاجية من نحو 2.7 مليون برميل يوميا حاليا، إلى 3.5 ملايين برميل يوميا خلال سنوات قليلة. وأشار «الوطني» إلى أن الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في الإمارات نما بواقع 3.9% في 2008، مقارنة مع ما متوسطه 8.4% خلال الفترة 2002/2007، لكن الوطني توقع أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي انكماشا هذا العام بواقع 1%، وفي الواقع، فإن حجم الصدمة التي تعرض لها اقتصاد الإمارات يفوق ما يوحيه هذا الرقم بكثير، إلا أن معظم الضعف قد تركز في تراجع أسعار الأصول، وهو ما لا ينعكس عادة في الناتج المحلي الإجمالي. لكن نظرا إلى معدل النمو السريع الذي شهده الاقتصاد الإماراتي في السنوات الماضية، فإن انخفاضا طفيفا في الناتج قد يبدو بمنزلة ركود حاد.
ـ بعد انكماشه بواقع 1% في العام الحالي، نتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي لدولة الإمارات بنحو 2.5% في 2010، ليكون أحد أبطأ اقتصادات المنطقة نموا في العام المقبل.
ـ رغم الدعم الذي استمده الاقتصاد الإماراتي من العديد من الإجراءات الطارئة التي اتخذتها السلطات، إلا أن من شأن مستويات الدين المرتفعة وضعف حجم الائتمان الممنوح من البنوك وفائض العرض في بعض جوانب القطاع العقاري أن تؤثر سلبا على نموه. قد تسجل ميزانية دولة الإمارات أول عجز لها منذ 5 سنوات، ولو دفتريا على الأقل. كما نتوقع أن يبقى معدل التضخم وأسعار الفائدة عند مستويات منخفضة في 2010.
وعلى الرغم من أن الانتعاش الأخير في أسعار الأسهم والسلع، والتحسن في مستويات الثقة، والتحفيز المالي الإضافي المرتقب، جميعها عوامل تساعد الاقتصاد على التعافي في 2010، إلا أن الوطني يرى أن هذا التعافي سيبقى ضعيفا لعدد من الأسباب، وهي:
- 1 ـ بينما يعتقد ان أبوظبي قد خرجت من الأزمة بأقل الأضرار مقارنة مع دبي، فإن قطاعها غير النفطي يبقى صغيرا، ليشكل نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للإمارات، بينما يشكل القطاع غير النفطي في دبي نحو النصف. وبالتالي، فإن قدرة أبوظبي وحدها على دعم الاقتصاد الإماراتي للخروج من الأزمة تبقى محدودة.
- 2 ـ مع ارتفاع حجم الديون المتعثرة، والتشدد المستمر في التمويل، وتراجع الشهية للمخاطر، والنقص في الفرص التمويلية، يرجح أن يبقى حجم القروض الممنوحة من البنوك ضعيفا في العام الحالي.
وقد بلغ نمو هذه القروض نحو 2% فقط منذ بداية العام الحالي. وفي الواقع، قد يجد الجهاز المصرفي الإماراتي صعوبة في تسييل بعض الأصول لتعزيز رأسمال البنوك والسيولة لديها وتدعيم سلامة ميزانياتها.
- 3 ـ ستنشغل الشركات في الإمارات ـ سواء شركات القطاع الخاص أو العام ـ في تعزيز ملاءاتها وإعادة هيكلة نفسها، ما من شأنه أن يضع خطط الاستثمار جانبا لبعض الوقت. كما أن تأخر الانتهاء من دمج «إعمار» وبعض الشركات التابعة لـ «دبي القابضة» ـ والذي يعزى في جزء منه إلى صعوبات تقييم الأصول العقارية ـ يعد مثالا على بطء عملية إعادة التكيف والوقت الطويل الذي قد تتطلبه.
- 4 ـ مازال العرض يفوق الطلب في بعض جوانب القطاع العقاري، ما قد يحد من حجم الاستثمار في هذا القطاع الرئيسي. ووفقا لـ «كوليرز»، فإن نسبة المكاتب غير المأهولة في دبي بلغت 20% من الإجمالي في شهر يونيو، بينما يتوقع أن يرتفع إجمالي مساحة المكاتب بين العامين 2009 و2011 بواقع 50%، وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بأن أسعار العقار لن تنتعش في وقت قريب.
- 5 ـ أخيرا، فإن صعوبة الحصول على تمويل قصير الأجل ليس من شأنه أن يعيق عمليات إعادة التمويل فحسب، بل سيعني أيضا تغيرا في نموذج العمل لدى بعض الشركات، ومنها المؤسسات المالية والشركات العقارية التي كانت تعتمد بشكل كبير على التمويل القصير الأجل.