تجربة الاستجوابات الأخيرة لا ينبغي أن تمر بسرعة إلى خانة النسيان من حيث تغير النمط التقليدي لهذه الممارسة من قبل الجانب الحكومي، الذي عرف بالعمل مشتتا وأحيانا متناقضا إن لم نقل «واحد يحفر حق الثاني» هذه المرحلة تميزت بما يلي:
1 - العمل كفريق قاده قرار مواجهة سمو رئيس الوزراء للاستجواب، هذه نقلة تسبب التأخر في العمل بها في حل مجلس الأمة وإعادة تشكيل الحكومة لأكثر من مرة.
2 - تصدر الفريق السياسي وزيران محنكان «د.محمد البصيري وروضان الروضان» وبالطبع ضم الفريق صفا أول بقيادة الشيخ أحمد الفهد، والصف الثاني ضم وزراء مهنيين، مثل الشجاع مصطفى الشمالي وزملائه.
3 - كان لرئاسة مجلس الأمة دور رئيسي في نجاح هذا الفريق، ولم يكن الرئيس لينجح لولا عمل الجانب الحكومي بتنسيق متقن، على أساس أن «الحي يحييك»، يبدو أن قناعة الخرافي في هذه المسألة أنه رئيس للمجلس بكل أطيافه، ما يلزمه بالعمل على توفير أجواء مباراة نظيفة، وهو ليس مسؤولا عن سوء أداء أي طرف، ففي السابق لم يستطع أن يساعد الحكومة بسبب تشتتها، هذه المرة تسبب اندفاع بعض النواب في خسارة المباراة، ولا فائدة من إلقاء اللوم على أحد سواهم.
4 - نجح الشيخ ناصر المحمد في اعداد المناخ النفسي المواتي من جانبين، الأول بمواصلته برنامجه الطبيعي في زياراته المقرة لأفريقيا والڤاتيكان والبوسنة، فلم يحقق لمعارضيه هدف شل الحركة، لهذا دخل الى الجلسة بآفاق نفسية مفتوحة عالميا، ثابتة القدم محليا، «الثاني» تركيزه في يوم الجلسة على المحاور بكلام مرتب، أوقع معارضيه في حيرة، فالكلام خارج النص ـ عندهم ـ هو أمتع ما في المسرحية!!
5 - تحرك النواب المعارضون للاستجواب بثقة بالغة، وقد جددت الفاضلة سلوى الجسار تألقها، بكلامها الواثق ولسان حالها يقول «كل ما تكلمنا عن بلدنا قلتوا حكوميين، وبعدين معاكم؟ هذي حكومة إسرائيل؟».
6 - التخلص من جلسة التهريج المسماة «علنية» كان ضربة معلم، فلا مكان لوصف «سرية» في جلسة يحضرها أكثر من مائة شخص، بقدر ما هي رغبة فريق التصعيد في «لعثمة» وإرباك الوزير المستجوب، واستخدام عبارات «أنا إذا كلمتك طالعني زين، لا تتلفت، وإذا بتضحك اضحك في بيتكم».. وما إلى ذلك من طرق سوقية في الكلام، وهو ما لا يتحقق بغير وجود صحافة تصور وجمهور يضحك بل ويشارك في الجلسة، من طرف خفي!
7 - تسابق النواب على تقديم الاستجوابات الأربعة أربكه قرار أخذها في جلسة واحدة، أقول أربكه على افتراض أن أحدا من مقدمي الاستجوابات لم يتقصد خدمة الجانب الحكومي بهذا التدافع، ونحن نتحدث في حدود معلوماتنا!
8 - أداء الوزراء المستجوبين كان أكثر من راق، من حيث التركيز وعدم الاستجابة لمحاولة الاستثارة، والكلام المنضبط القادم من خلفيتهم العسكرية، وبالنسبة لوزير الداخلية «الرجل صار محترف استجوابات»، على من تخصص باستجوابه أن يراجع حساباته بروح رياضية لا تستسلم للرغبة في الانتقام الشخصي.
ختاما، هذا الانجاز يلقي على الحكومة مسؤولية جديدة تتعلق بأهمية الاسراع في تنفيذ برنامجها المعلن، بالافادة من قوة الفريق الحكومي والتنسيق الكبير الذي يتحلى به، وليس أقوى للأداء السياسي من انطلاقة المشاريع، ومتابعة الانجاز يتلوه الانجاز، وعدم العودة إلى إيقاف المشاريع لأسباب سياسية، ونحن على ثقة بأننا قد دخلنا مرحلة جديدة، وتركنا خلفنا تجارب سلبية، وصار لدينا اليوم نجوم في التنمية، يتصدرهم الشيخ أحمد الفهد، والكويت تتوقع الكثير من هؤلاء النجوم، سيروا على بركة الله.
كلمة أخيرة: الجهاز الاداري في الدولة تفاعل مع الأداء السياسي مثلما فعلت البورصة، واتجه القياديون الى القضايا الرئيسية يرافقهم شعور بأن خلفهم حكومة قادرة على حمايتهم من المشاغبات «أسئلة بالعشرات معظمها للمشاغبة، تصريحات استفزازية تنفخ فيها صحافة التشويق للتسويق» هذه مرحلة انتهت، ومن يعمل على إعادتنا إليها، لا تهمه الكويت في شيء.