لم يمض عليّ وقت كما صادفت خلال الأسبوعين الماضيين، كان القلم فيهما كالجمر لا أطيق ان أضمه بين أصابعي وكانت الورقة أشبه بهوة عميقة، وليت مدبرا ان اقتربت منها وامتلأت رعبا ان نظرت إليها... على اني في كل ليلة كنت أمني النفس ان هذه هي آخر ليلة من الليالي العجاف التي تعتري تفكيري ولكنها لم تكن، حتى بدأ القلق يجد له منفذا في عقلي والحزن يعتصر قلبي ان تكون نهايتي هنا والآن وأنا الذي عاهدت أخي ومعلمي، رحمه الله، ألا تنقطع عني أفكاري أو يقف مداد كلماتي.
وفي لحظة وددت انها بألف لحظة خطرت لي فكرة من فرط خوفي من ضياعها بادرت بتنفيذها حال ورودها في ذهني وهي ان أقوم بوقتي وساعتي وأتوجه لبيت الله الحرام لأعتمر وأكون بقرب الكعبة المشرفة لعلي أغسل ذنوبي وبثي حزني لخالقي وانا على يقين بأن كل شيء عليه هين، فحزني الذي يكبت على صدري والكدر الذي يغشاني هو هين على الله لإخراجه وتلك ثقتي التي لا تنازعني عليه الدنيا بما فيها.
ان حياتنا هذه لا تخلو من المصائب والمحن نفسية كانت أو مادية أو اجتماعية أو صحية أو فراق أحبة أو صنفوها كما شئتم من محن وكرب قد نضع أنفسنا فيها بإرادتنا أو رغما عنا حتى نظن ان كل شيء انتهى وأن حياتنا أصبحت بلا طعم أو رائحة، وهنا ننقسم بين من هو جازع خائف متردد في اللجوء الى من عنده الخير كله والحل كله وبين من يرفع شكواه الى ربه بكلتا يديه الضعيفتين لعلها تخفف به عن روحه ولعله يجد راحته ومبتغاه، وعندها وبعد ان اصبحت بين الحطيم وزمزم رفعت كفي الى خالقي وأنا أقول يا صاحب الركن الشديد أشهدك اني أويت الى ركنك الشديد فارزقني حسب الشكاية ولا تحرمني حسن الكفاية اللهم اجعل بيني وبينك حبلا لا ينفرط حتى مماتي ربّ ان اعرضت عني بوجهك الجليل فمن له جلال كجلالك.
ربّ إن تصاريف الحياة هينة عندك وتناهيد العناء هينة عندك وكل حزن ساكن في ضلوعي هو هين عندك فإن لم تكن غاضبا علي فلا أبالي تصاريف الحياة وتناهيد العناء وما سكنني من حزن الا ان رحمتك اوسع فاكتبها لي يا ارحم الراحمين.
قلت ما قلت ودعوت ما دعوت وذرفت دموعا ما شاء لها الله ان تنزل حتى اطمأن قلبي ان كل شي في هذه الدنيا لا يساوي اللحظة التي فكرت بها ان أتوجه الى البيت الحرام.
أدام الله من وضع الله بين عينيه في كل ما يعمل ولا أدام من جزع وقنط من رحمته عز وجل.