بقلم: د.نواف العبدالجادر - دكتور ريادة أعمال في جامعة الكويت
في 25 مايو 1961، حدد الرئيس الأميركي السابق جون كينيدي هدفا واضحا للدولة: إرسال إنسان للقمر وإعادته بسلام، وتحقيق الهدف قبل نهاية العقد.
عند قراءة كلمة الرئيس الأميركي، تأثر شاب في عمر الـ 16 بكلمات الرئيس، وقرر دراسة العلوم الفيزيائية، حيث ان دراسته للعلوم ساهمت لاحقا في قدرته على تأسيس شركة «سانديسك» في عام 1988، والتي تعد اليوم رابع أكبر شركة في العالم لصناعة ذاكرات الفلاش.
وللحكومة دور مهم في بناء مجتمع ريادي، إلا ان هناك بعض المفاهيم الخاطئة حول هذا الدور.
من أهم الأدوار التي تقوم بها الدولة لبناء مجتمع ريادي هو وضع رؤية واضحة وطويلة المدى، ووضع سياسيات مرتبطة بتحقيق الرؤية، ومشاركة القطاع الخاص لتحقيق الرؤية.
بالتحديد، دور الدولة ليس فقط تقليل المخاطر، بل المشاركة في المخاطر من خلال استثمارات مركزة تجاه تحقيق الرؤية.
فاستثمار الحكومة الأميركية لتحقيق هدف إرسال إنسان للقمر ساهم في ظهور عدة شركات وابتكارات متعلقة بهذا الهدف.
كما ان دور الحكومة الأميركية الفعال يتمثل في العديد من الابتكارات، من الإنترنت الى نظام تحديد المواقع التي ظهرت في مؤسسات حكومية كانت تحصل على استثمارات من الحكومة لتحقيق أهداف الدولة.
بالإضافة إلى أن الحكومة الأميركية استثمرت في عدة مشاريع من جوجل إلى تيسلا مؤخرا لأنها تساهم في تحقيق أهداف الدولة المرتبطة بالطاقة المتجددة.
ولذلك، فإن الاعتقاد بأن دور الدولة لتشجيع ريادة الأعمال منحصر في الاستثمار في المبادرين، وتسهيل عملهم، وتقليل المخاطر عليهم ليعملوا دون تدخل، يفتقد نقطة مهمة، وهو ان للدولة دورا مهما في خلق طلب لمنتجات جديدة، وخلق أسواق جديدة، تجذب المبدعين والقطاع الخاص والمشاريع الجديدة إليها.
فإن لمعظم الحكومات التي نجحت في بناء مجتمع ريادي دورا فعالا في تشجيع ريادة الأعمال من خلال الاستثمار في خلق أسواق جديدة.
أي ان دور الدولة ليس فقط إصلاح إخفاقات في السوق، بل خلق اسواق جديدة من خلال استثمارات استراتيجية.
وتبقى الحكومة في الكويت أكبر زبون للمبادرين، ولعل تعديل قانون المناقصات، وإعطاء حصة من العقود الحكومية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة يعتبر خطوة إيجابية، إلا انه مازال تقبل الحكومة للمشاريع الصغيرة والابتكارات بسيط.
فدور الدولة في تشجيع ريادة الأعمال ايضا يكمن في قدرتها على استيعاب وشراء ابتكارات محلية جديدة.
على سبيل المثال، بعد ابتكار الرقائق الإلكترونية من القطاع الخاص، قامت «ناسا» ووزارة الدفاع الأميركية بشراء أعداد كبيرة منها، ولذلك خلقت أول سوق لهذا المنتج، وساهمت في تخفيض أسعاره ومن ثم انتشار هذا الابتكار الى عدة منتجات حتى أصبح جزءا أساسيا في انتشار الهواتف الذكية.
فبناء مجتمع ريادي يتطلب من الدولة تحديد أهداف طويلة المدى، وسياسات طويلة المدى، واستثمارات استراتيجية من الحكومة في المشاريع والأبحاث التي تساهم في تحقيق أهدافها، حتى تخلق فرصا وأسواقا جديدة.
فإننا في أمس الحاجة الى سياسات استباقية بدلا من ان تكون رجعية.
وقد نفتقد رأسمال بشريا مبدعا لتحقيق هذه الابتكارات، مما يستدعي إعداد جيل جديد قادر على تلبية احتياجات الدولة.
فكما بين الاقتصادي روبرت سولو الحاصل على جائزة النوبل، في عام 1987 ان نحو 60% من الفرق في النمو الاقتصادي بين الدول يرجع الى تطور التكنولوجيا والابتكار، إلا اننا نكاد لا نرى أي جهود جدية لإعداد جيل مبتكر ومتمكن من التكنولوجيا.
وللحديث بقية...