حبا الله الكويت بمنارات للخير يتناوب الرجال على إشعال سراجها جيلا بعد جيل، ولا يستطيع من يرقب ويتحرى الخير الكويتي أو من يتفقد الضوء الحقيقي على شطآنها مقبلا يريد من مناهلها الخيرة أن يتجاهل تلك المنارة التي هدت وأعانت الكثيرين الذين لم يندموا على أن اهتدوا بها وإليها طالبين منها ما تعودت على بذله من خير.
غيب الموت أحد رجال الكويت الأفاضل الذين تركوا بصمة تستعصي على المحو والنسيان، وهو المغفور له بإذن الله تعالى، العم ناصر محمد الساير، تلك المنارة الخيرية الكويتية العربية الإسلامية الإنسانية التي لا يشوبها أي تدليس.
أعلم جيدا وعن واقع وقرب أن أيادي العم ناصر الساير البيضاء تمتد داخل الكويت وخارجها وأنه لم يصرح بذلك بل ولم يسمح به وكذلك أبناؤه، ولكن شمس الأفعال الطيبة لا يغطيها ذلك كله، فالناس بطبيعتها تذكر الطيب ومن عمل به، والطيب سيرة عطرة لصاحبها تنتشر بين الناس رغما عنه، ويكفيك أن تسمع تلك السيرة العطرة في كل دواوين أهل الكويت وأبنائها لا لأنه ذاك التاجر او صاحب الشركات بل لأنه طيب وخير وصاحب أياد بيضاء يتناقل فعلها بألسنتهم من طالهم بياض يده أو ممن رأوا آثارها هنا وهناك، حتى وإن رفض أن يصرح أو يلمح أو ينتظر جزاء أو شكورا من أحد، رحمه الله.
العم ناصر محمد الساير، رحمه الله، يعرفه الجميع بأنه أحد رجالات اقتصاد العصر الحديث في الكويت وأحد أعمدة القطاع الخاص في البلاد بل ومن مؤسسيه الأوائل وواضعي لبنته الأولى التي خلقت الكويت الحديثة التي نعرفها اليوم، واسمه وحده يعتبر وثيقة حرة للمصداقية في أي محفل تجاري محلي أو إقليمي أو دولي.
السمعة التي صنعها لنفسه لم تكن محلية فقط كونه إحدى ركائز الاقتصاد الكويتي الحديث لا بل تجاوزت الحدود وبكل ثقة وهو أهل لها بكل ما قدم من عمل أو سعى إليه بخطى ثابتة، صنع لنفسه اسما تجاريا لا يجارى وفي الوقت ذاته كانت صورته صورة للتاجر الكويتي المحب لوطنه بعطائه ومسيرته وأسلوبه في التعامل.
إذا ما أردنا أن نعود تاريخيا لجزء بسيط من تاريخه فلا أدل ولا أقرب من انه كان سبق عصره في أنه أول من أسس لمفهوم توفير الأمن المائي في البلاد كونه أول من استورد خزانات المياه لتكون بديلا عن الخزانات الأرضية، بل وأكثر فقد كان أول من فتح الباب للتبادل التجاري بشكل رسمي مع دول الشرق الأقصى في الخمسينيات أيضا عندما فتح باب الاستيراد من اليابان وكان بذلك أول سفير اقتصادي مع بلاد الشمس.
لا أحاول هنا أن أكتب سيرة العم ناصر محمد الساير، رحمه الله، بقدر ما أنني لا أستطيع أن آتي بذكره تأبينا دون ذكر للجانب الإنساني الجميل الذي حمله بكل تواضع مسلما تلك الأمانة إلى أيدي من لا يضيع عندهم الوفاء واستمرار الفعل الجزل والطيب، فكل العزاء لأبنائه وبناته وأحفاده الكرام ونحن على يقين ان تلك المنارة لن تنطفئ أبدا بإذن الله.
[email protected]