قصة لا أجزم بصحتها ولكنني سأوردها ببداية مقالتي لعل الصورة تكتمل لديكم.
تحكي قصتنا عن رجل فقير ولديه أبناء، وكان يعاني العوز، وله شقيق يملك من زينة الحياة الدنيا ما ينوء بحمله عصبة من الرجال الأشداء، وذات يوم بكت زوجة الرجل الفقير بكاء مريرا وهي ترى أولادها وقد ضاقت بهم الحال، فبادرت زوجها بالشكوى المريرة تستحثه على أن يطلب من أخيه ما يسد به حاجة أبنائها إذا كان لا يبالي بما يسد حاجته، وتحت وطأة العوز وافق الرجل الفقير على مضض وذهب إلى أخيه يشكو إليه فقره وحاجته، فقال له أخوه الغني أريدك أن تجلس على هذا الكرسي ولا تنبس ببنت شفة مهما حصل فوافق أخوه الفقير، وبعد قليل اتصل الغني بتاجر مشهور وطلب منه الحضور، فلما جاء التاجر قال له إن البضاعة التي تود شراءها وصلت، لكن الرجل الذي يجلس أمامك دفع مبلغا أكبر من مبلغك الذي تود شراء البضاعة به، فإن كنت بحاجة ماسة إلى هذه البضاعة فما عليك إلا أن تشتريها منه حتى تحصل عليها فوافق التاجر ودفع إلى الفقير الفرق والذي قارب 300 ألف دينار فقام الشقيق الغني بإعطاء أخيه الفقير 200 ألف دينار وأخذ هو 100 ألف لنفسه، كل هذا والفقير مشدوه مما حصل ولكنه أخذ المبلغ الذي «دفن فقره به» وذهب إلى زوجته يخبرها بالقصة إلا أنه قال بالنهاية إنني لن أسامح شقيقي الغني ما حييت لأنه سرق مني 100 ألف.
نعم يا سادتي نحن أمام ثلاثة نماذج موجودة بمجتمعنا: نموذج الفقير الذي طغى عندما أصبح عنده ما يغنيه وبدأ يخرج ما بمكنون صدره من سوء وكأن المال يخرج السيئ في خفايانا ويظهر معدننا الأصلي وإن كان بعضنا لا ينبغي له أن يكون غنيا لحكمة أرادها الله.
والنموذج الثاني هو الشقيق الغني الذي لم يحس بمعاناة أخيه ولم يعبأ لحاجته بل وحتى إذا أراد أن يقدم المساعدة فإنه لا يتورع من التكسب من خلالها حتى أصبحت مصالحه فوق كل اعتبار.
والنموذج الأخير هو التاجر الساذج الذي يضحك عليه كل من صادفه ويرى حل الأمور كلها في المال فقط بلا تفكير لأن ما كسبه لم يشق فيه، فثروته إما وصلته عن إرث أو بطرق ملتوية.
تلك النماذج قد صادفها بعضنا أو سمع عنها، وإنكار وجودها يشبه تماما فعل النعامة الأسطوري التي تدس رأسها بالتراب إن أوجست خيفة، ففينا الفقير الذي نقم على الحياة ويئس من رحمة الله، وفينا الغني الذي لا يرحم ضعيفا ولا يمسح على رأس محتاج، وفينا التاجر الأحمق الذي لا يرى من الأمور أبعد من أرنبة أنفه حتى ازددت يقينا بأننا نعيش آخر الزمان أو نحن على مشارفه على الأقل.
أدام الله من اعتزل هذه النماذج لأن «البعد عنها غنيمة» ولا أدام من بانت خفاياه عند أول «شمة هوا».