لا تزال فكرة «البطل المخلص» تهيمن على الوعي الجمعي في مجتمعاتنا العربية، فلا غرابة أننا في ذيل الأمم وأن هذا حالنا.
إنها فكرة خطيرة ومدمرة، تستند لموروث كبير في ثقافتنا، حتى ترسخ في أذهان أكثر الناس أن الحل يكمن بيد شخص، منقذ، رمز يأتي في اللحظات الحاسمة ويضرب ضرباته السحرية ويقضي على الفساد بالجملة.. وينتهي المشهد بانتصار الخير، هكذا بكل سذاجة!
لن ننهض ولن نتقدم طالما بقي هذا الوهم راسخا في عقولنا، فالإصلاح لا يمكن أن ينجزه شخص واحد مهما امتلك من مهارات وقوة شخصية ونوايا حسنة، وما لم يتغير الوعي الجمعي ويفهم الناس أن الإصلاح ومحاربة الفساد هما «جهد جماعي» يتحقق فقط من خلال التزام كل شخص بواجباته ودوره، فإننا سنبقى غارقين في وهم انتظار البطل المنقذ، نترقب معجزات لا تحصل ولن تحصل من خلال تغيير هذا الوزير أو ذاك.
لماذا نختار التعايش مع هذا الوهم الذي يبقينا في حالة جمود وتراجع عن ركب التقدم والنهضة؟ ببساطة لأننا كسالى لا نريد أن نقوم بواجبنا، نريد «بطلا» اسطورياً يأتي ويقوم بكل شيء وبسرعة نيابة عنا!
***
لو تأملنا في مسيرة العمل السياسي في الكويت خلال العشرين سنة الماضية فقط، وتساءلنا بهدوء: ما الذي تغير مع تغييرات التشكيل الحكومي وما أكثرها؟ نحن نتجاهل أن منصب الوزير أصبح عبئا كبيرا على ميزانية الدولة مع كثرة التغييرات التي تشهدها بلادنا، حتى أصبح لدينا أكبر عدد لوزراء سابقين في العالم ربما، أليس لهذا ثمن؟
***
أحد أسوأ الأمثلة التي أسمعها وأقرأها ويكررها الكثيرون حول الإصلاح هو المثل القائل «تنظيف السلم يبدأ من الأعلى»، قد يصح هذا مع السلالم، ولكن يا سادة الدولة ليست سلما.
هذا الاستخدام الخاطئ والسيئ لهذا المثل ما هو إلا تعبير عن رسوخ وهم التعلق بالبطل المخلص، الذي جعلنا نتصور دائما مفهوم السلطة بشكل هرمي، قمة وقاع.
في حين أن المجتمعات والسلطة كونها جزءا من المجتمع تترابط على هيئة شبكة علاقات، كل عملية وكل سلوك فردي، يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على كل أجزاء الشبكة.
فساد موظف صغير لا يلتزم بعمله ولا يخدم الناس كما هو مطلوب منه، يجبر المراجع على البحث عن «واسطة»، والواسطة تؤدي لظهور فئة انتهازية تتبادل «الخدمة» مع المواطن، «أخلص معاملتك وتعطيني صوتك بالانتخابات».. هكذا تعمل المجتمعات، حدث صغير هنا يرتبط بآخر وبآخر وبآخر وينتج في النهاية جبل ضخم من الفساد الذي يتغلغل في كل زاوية. ما الذي يستطيع أن يفعله الوزير بمفرده؟
المجتمع ليس سلما، والناس ليسوا «واحد فوق الثاني»، هذا سوء فهم للبيروقراطية الإدارية وسوء فهم لتركيب المجتمعات.
الأفراد في المجتمع يرتبطون بعلاقات متشابكة وليست هرمية، وكل سلوك هنا يؤثر على كل الشبكة.
فساد التعليم ليس فساد فرد في مؤسسة التعليم، وإنما هو نتاج تقصير معلم هنا وموجه فني هناك ومدير مدرسة هنا ومسؤول هناك وولي أمر هنا وولية أمر هناك.. شبكة كبيرة من أفراد المجتمع تساهم في هذا الخلل، والذي يحتاج في نهاية الأمر إلى التزام الجميع وليس فقط الوزير.
مع كل إجازة قصيرة تمتلئ المستشفيات والمستوصفات بآلاف الموظفين المتمارضين للحصول على «طبية» يمددون بها الإجازة، هذا السلوك ترتبط به قائمة طويلة من الفاسدين لا يمكن إصلاحها بتغيير وزير.
لا تنتظروا الخلاص من بطل خارق، هذا وهم، الإصلاح إما أن يصنعه الجميع وإلا لن يحدث.
[email protected]