لم تشهد البشرية هلعا من وباء كما تشهده اليوم من وباء كورونا. كانت الأوبئة في الأزمنة السابقة تفتك بالمجتمعات ضمن جغرافية محدودة بسبب التواصل شبه المعدوم والبطيء بين الأمم مع انعدام توافر لقاحات لتلك الأوبئة.
أما اليوم ونحن في القرن الواحد والعشرين، الذي يشهد طفرة صحية واسعة واحتواء لأكثر الأمراض والأوبئة المعدية من خلال اكتشاف اللقاحات المناسبة لها، فإننا فوجئنا بفيروس غريب متحور سريع الانتشار لا يتوافر له لقاح باغتنا على حين غفلة ووضع العالم بجميع قاراته أمام مواجهة لم يحسب لها حساب، وغاية ما يملكه من سلاح ضد هذا الفيروس هو الوقاية من انتشاره قدر الإمكان من خلال فرض وقف التواصل الاجتماعي ووقف كل النشاطات الجماعية بشتى أنواعها والبقاء في المنازل.
هذا يذكرني بالأيام الأخيرة من الاحتلال العراقي حين التزمنا منازلنا حتى لا نتعرض للأسر القسري والترحيل إلى المعتقلات العراقية.
تجاوز الفيروس المخاطر الصحية ليضرب الاقتصاد العالمي حتى أرغم الولايات المتحدة على تخصيص تريليون دولار لإنعاش مؤسساتها الاقتصادية مع تخفيض معدل الفائدة إلى قرابة الصفر كعامل تحفيزي لتفادي الكساد وتبعهم الاتحاد الأوروبي بتخصيص ثلاثة أرباع تريليون يورو لحماية اقتصاده وكلاهما يملكان من الامكانات الاقتصادية الهائلة التي تساعدهما على التصدي لتبعات الفيروس والتي لا تتوافر في الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية حادة ليضعها في مشكلة أخرى لا تستطيع معالجتها وكان الله في عونها.
لا يستثنى من ذلك المعاناة النفسية من هواجس الإصابة بهذا الفيروس والمبالغة في اتباع الإجراءات الوقائية منه والحبس المنزلي والحرمان من الدراسة في مراحلها المختلفة إذا استثنينا من ذلك التعليم الإلكتروني وهذا لا يتوافر في الغالب.
من إيجابيات الفيروس أنه ساهم في التقليل من الانبعاثات الكربونية، حيث تشهد كبرى مدن العالم انخفاضا كبيرا في نسبة تلوثها بعد توقف الحركة المرورية فيها، كما أن توقف حركة الطيران إلى حد كبير ساعد على استعادة نقاوة الهواء في أجوائه العليا.
لقد خلط هذا الفيروس الأوراق وأربك دول العالم دون تمييز بينها حين انتقل من الصين إلى دول أوروبا المتقدمة وهاجم إيطاليا التي تجاوز قتلى الفيروس فيها قتلاه في الصين ولم تستوعب سرعة انتشاره استعداداتها الطبية التي تعاني نقصا شديدا في الأسرة وأجهزة التهوية أو التنفس الصناعي والكمامات وهو ما تخشاه باقي الدول الأوروبية وبشكل أكبر ومخيف الدول ذات الإمكانيات الطبية المتواضعة، بات شبه مؤكد أن حالة الطوارئ العالمية ستستمر شهورا وربما تتعدى السنة الحالية وهي الفترة المقدرة لاكتشاف اللقاح المضاد للفيروس وعلى أقل تقدير 18 شهرا جنبا إلى جنب مع توقع تضاعف الإصابات بالفيروس وانتشاره في دول أخرى إلى حين توفير اللقاح وهو ما صرح به البروفيسور ديفيد هو مكتشف لقاح الإيدز والذي يعكف حاليا على إيجاد لقاح لفيروس كورونا، الأمر الذي يؤكد أهمية البقاء في البيوت والتأقلم مع الظروف الحالية التي سببها الفيروس.
نسأل الله العافية من هذا الوباء وأن يعين أطباءنا وطواقمهم الذين يقفون في الخطوط الأمامية لمواجهته وأن يعيننا على تحمل تبعاته.