خلال السنوات الماضية طالعتنا وسائل الإعلام المحلية والإقليمية بأخبار تصدر الكويت للأمن الغدائي عربيا، وهو إنجاز ظاهره إيجابي مطمئن وباطنه يحمل خدعة كشفتها جائحة كورونا وهو أن الأمن الغذائي الكويتي لم يراع أزمة عالمية أدت إلى حالة من الإغلاق العام في كافة المجالات والأنشطة، أبرزها الاقتصادية والاجتماعية والرياضية والدينية والسياحية.
ولم يثبت في تلك الأزمة إلا الدول التي حققت الاكتفاء الذاتي من السلع الضرورية لحياة مواطنيها، والحقيقة ان الأمن الغذائي لا يتحقق إلا بالاكتفاء الذاتي وأن الاعتماد على الاستيراد والاحتكار وفساد الإدارة لن يحقق أي أمن للغذاء في هذه الظروف العصيبة.
والأمن الغذائي لأي مجتمع ليس أمرا مبتدعا في العصر الحديث، فالقرآن الكريم أفاض في هذا الأمر في العديد من الآيات كقوله تعالى (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون)، وقد فصل القرآن الكريم قضية الأمن الغذائي كما نعلم في قصة يوسف عليه السلام والتي ارتكزت على خمسة محاور:
أولا: العمل الجماعي في عملية الإنتاج.
ثانيا: شراء الحكومة للمنتج بسعر عادل تشجيعا لمزيد من الإنتاج.
ثالثا: جودة التخزين للحفاظ على المنتج.
رابعا: ترشيد الاستهلاك استعدادا لأعوام الجفاف.
خامسا: وهو الأهم تولية إدارة الأمور للصالحين الأمناء الحافظين للأمانة العلماء.
ولذلك أسعدني خبر اقتراح الكويت على أشقائها في دول مجلس التعاون الخليجي إنشاء شبكة أمن غذائي تربط دول الخليج لتحقيق التكامل والاكتفاء الذاتي وهو اقتراح وإن جاء متأخرا ولكنه خير من ألا يأتي أبدا وهذا يتعلق بالأمن الغذائي خارجيا والاستثمار الخليجي في الزراعة والثروة الحيوانية في دول الخليج أو في دول الجوار.
أما فيما يتعلق بالأمن الغذائي محليا داخل الكويت فلا بديل من الإشراف الحكومي المباشر من خلال الهيئة العامة للزراعة والثروة الحيوانية لدعم المزارعين الجادين والعاملين بقطاع الثروة الحيوانية والثروة السمكية بتوفير ما يلزمهم من دعم مادي وخبرات للتطوير وزيادة الإنتاج ومنع احتكار شركات بعينها للأمن الغذائي، وأن تقوم الحكومة بالشراء بسعر عادل يحفز العاملين على زيادة الإنتاج ويمنع فساد تفضيل الاستيراد على المنتج المحلى وهو السبب الرئيسي للأزمة الحالية.
أتمنى أن تقوم الحكومة بتولية الأكفاء وأن تستعين بالخبراء محليا وعالميا وأن تستبدل بعض الصناعات الترفيهية والتكميلية بالصناعات الغذائية لاستغلال أي فائض في المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية والسمكية القابلة للتخزين مع تركيز وسائل الإعلام على توعية المواطنين بترشيد الاستهلاك والحفاظ على النعمة حتى يحفظها الله علينا في أوقات الشدة، لأن هذه الجائحة الوبائية رغم مرارتها إلا أنها كشفت لنا كم الخداع والزيف الذي كنا نعيشه وأظهرت لنا بوضوح مواطن الخلل في كل شيء، فهي فرصة ذهبية لإصلاح ما أفسدته غفلات السنين.
حفظ الله الكويت والعالم أجمع من كل سوء.