أخذت الاحتجاجات الأميركية منحى جديدا حيث تطورت من المطالبة بمقاضاة رجال الأمن الذين تسببوا بخنق المواطن الأميركي جورج فلويد ذي الأصل الأفريقي حتى الموت إلى نبش التراث العنصري في الولايات المتحدة الذي قام عليه الاقتصاد الأميركي الاستيطاني.
ولا يخفى أن المخزون العنصري لا يزال حيا في الثقافة الأميركية رغم الضربة القوية التي تلقاها خلال الحرب الأهلية الأميركية والتي وضعت حدا للاستعباد.
فقد استمرت الولايات الجنوبية تمارس الفصل العنصري واضطهاد السود من خلال تطبيق قانون Jim Crow العنصري لسنوات طويلة حتى بداية الستينيات عندما أرسل الرئيس جون كينيدي قواته الفيدرالية إلى ولاية ألاباما لفرض القانون وإزالة معالم العنصرية فيها التي لا تتماشى مع الدستور الأميركي. ومع ذلك لم تنقطع الممارسات العنصرية وتجلت في سوء معاملة الشرطة الأميركية لمواطنيهم السود وغير البيض.
ولعل انتشار التماثيل التذكارية لرموز العنصرية في العديد من الولايات الأميركية الجنوبية واحتفاظها بالأعلام الكونفدرالية الانفصالية خير شاهد على تكريس الروح العنصرية، الأمر الذي استفز المتظاهرين ودفعهم إلى تخريب الكثير من تلك التماثيل والمطالبة بإزالتها وإزالة الأعلام الكونفدرالية على خلاف القائلين بإبقائها والمحافظة عليها كجزء من التاريخ الأميركي مع كونها مستفزة وتثير ذكريات العبودية المستبدة وعدم الاكتراث بحقوق الإنسان والتمرد على السلطة الفيدرالية المركزية وتهديد الاتحاد بالانفصال.
من هذه التماثيل التي تم تخريبها أو تدميرها أو إزالتها قادة الحرب الأهلية الجنوبيين من أمثال (روبرت لي) القائد الشهير، و(جيمس بيري)، (ج إي بي ستيوارت)، (جون بي كاستلمان)، (رفائيل سيمز)، (سام ديفيز) وغيرهم من قادة عسكريين، أما الرموز العنصرية المدنية فمنهم (ون رايوت) و(جيفرسون ديفيس) و(جون ماكدنف) و(توماس جيفرسون) وغيرهم، حتى تماثيل مكتشف أميركا (كريستوفر كولمبس) لم تسلم من التدمير لأنه كان شخصية انتهازية همه البحث عن الذهب الذي جعله يستعبد شعب (التاينو) في الباهاما من أجل استخراج الذهب من مناجمه والعمل في حقول الزراعة وتسبب في موت غالبية شعب التاينو بعد نشر وباء الجدري بينهم من أجل السيطرة على أراضيهم، يؤكد ذلك المؤرخون الذين أماطوا اللثام عن جرائمه ضد شعب التاينو المسالم.
لعل انتفاضة الأميركيين ضد العنصرية تحرج الصهاينة المحتلين وتضع حدا لاعتزازهم بتطابق التاريخ الاستيطاني الأميركي مع الاستيطان الصهيوني في فلسطين وكلاهما يتقاسمان التنكيل بالسكان الأصليين وفرض سياسات عنصرية مهينة للكرامة الإنسانية وهو ما يثير خشية الصهاينة من تبعاتها على كيانهم العنصري.