بقلم:مشعل فؤاد الضاعن
«قصرت معاچ يا يمّه! راضية عني يا يمّه! اعذري تقصيري يا أم علي، الله يرحمچ يا يمه»،
بهذي الكلمات والعبارات التي خالجتها الدموع الحارقة، دموع الفقد، ودع صديقي وأخي حمد المولي والدته فاطمة أحمد الأنصاري أم علي وهو يهيل عليها التراب ومعه لفيف من الأهل والأحبة المقربين، فقط نظرا لظروف الجائحة الكورونية، التي لولاها لاكتظت مقبرة الصليبخات بجموع المشيعين والمحبين لأم علي فاطمة الأنصاري، كيف لا والقاصي والداني يشهد لها بالطيب والكرم وسماحة النفس.
فمن هي فاطمة الأنصاري؟ وما سر تميز مدرسة هذه الأم من الطراز الرفيع العالي بجانب رفيق دربها وملهمها العم خليفة سليمان المولي؟ وكيف انعكس هذا على أبنائها: علي، حمد، دلال، هنوف وقيروان وباقي الأحفاد؟
دعوني أستعرض لكم الرحلة الأخيرة أو الفصل الأخير من حياة أم علي، رحمة الله عليها،
رمضان ١٤٣٤ هجري الموافق ٢٠١٣ ميلادي وكعادتنا السنوية رواد ديوانية حمد المولي نتوجه للإفطار في منزل العم خليفة المولي، وإذا بطقوس وليمة الإفطار ليست ككل عام وفقدنا التشريبة المخملية. فسألت: وين تشريبة أمنا أم علي؟!
حمد: أم علي سافرت للولايات المتحدة لعلاج الكلى برفقة الوالد وتسألكم الدعاء لها، وأوصت بألا تنقطع هذي العادة السنوية في الديوانية، فكلنا أبناء لها وهي تعرفنا بالاسم وتسأل عن أحوالنا أكثر من سؤالنا عنها.
فنعم يا أم علي.. اعذري تقصيرنا، فنحن نتعلم منچ، رحمة الله عليچ.
استمرت فترة العلاج في الولايات المتحدة قرابة ٦ أعوام حالت ظروفها الصحية دون اتمام عملية زراعة الكلى وعدم تقبل الجسم للزراعة، فطلب الأبناء جميعهم التبرع بإحدى كليتيهم لوالدتهم فكان الرد واضحا وغير قابل للنقاش من قبلها رحمة الله عليها: اقطع لحم جتوفي لكم يا عيالي ولا أرضى بوخزة شوكة تضرك،و وأبت رغم كل المحاولات أن يتبرع لها أبناؤها خوفا منها على صحتهم «الضنى غالي».
وكان أخي وصديقي حمد يتردد عليها سنويا في إجازة الصيف ويقول لي: توصي على شي أنا رايح اميركا حق حلوة اللبن.
وفي صيف ٢٠١٩ وبعد معاناة مع الغربة والانتظار دون جدوى قررت العودة الى ارض الوطن رغم محاولات العم خليفة المولي لإقناعها بالبقاء والانتظار، إلا أن الشوق لتراب الوطن وللابناء والاحفاد كان صاحب الكفة الغالبة عند أم علي، رحمة الله عليها، وعادت إلى الوطن وسط فرحة كبيرة شهدتها منطقة الفيحاء واكتظت بأهلها صالة المعجل وحضرها جمع من أطياف المجتمع تعبيرا عن فرحتهم لعودتها من رحلة العلاج.
استمرت في التردد اليومي على مركز حامد العيسى لغسيل الكلى دون أي سخط أو تململ، وكانت دائما تحمد الله وتشكره على نعمه وابتلائه، ولا أنسى اتصالي مع حمد للسؤال عنها وهو يقول لي: الحمد لله على كل حال الوالدة وضعها صعب، لكن دائما تشكر الله وتحمده صابرة وقانعة بما قدرته الأقدار من العزيز الجبار.
وأذكر ذات يوم ذهبت إلى المستشفى لزيارة العم خليفة المولي اثر وعكة صحية ألمت به فوجدتها جالسة فقلت لها: يما ليش متعبة نفسچ ارتاحي بالبيت، فقالت لي بكل راحة وابتسامة تبعث السرور في القلب: يما ليش كلفت على نفسك يكفي اتصالك، مشكور حبيبي.
كان هذا آخر لقائي بها، رحمة الله عليها، إلى أن ساءت حالتها الصحية ما استدعى دخولها مستشفى الفروانية في شهر يونيو المنصرم بوحدة العناية المركزة.
وقفه: داووا مرضاكم بالصدقة، هذا شعار صديقي حمد طوال فترة تواجدها بالعناية المركزة.
العمل الخيري الجبار الذي قمت به يا حبيبي جعلني أقول: يارب تقبل هذا العمل لوجهك الكريم، وارزق حمد ذرية تبره كما يبرّ والدته، رحمها الله.
رسالة: إلى الحفيد خليفة حمد المولي، بابا أبوك رجل من صلب رجل، فارس من نسل فرسان.
قد يصعب عليك فهم مقالي هذا وأنت في عمر الزهور، الله يحفظك، لكن يوما ما ستكبر بإذن الله وتعرف وتعي ما أقوله.
حط كلامي حلقة بأذنك، «امك ثم امك ثم امك ثم ابوك» قالها المصطفى صلى الله عليه وسلم. ماقام به أبوك من بر بوالدته أنا من الشاهدين عليه يوم الدين.
بابا ما في شي بالدنيا أغلى من الأم ولا راحة إلا بقرب الأم، ورضا ربك من رضا الأم. إياني وإياك بيوم تتعيز بشي في خدمة أمك وأبيك، الله يطيل بعمرهما.
ترى الفقد موجع واسأل المكلومين وانا أولهم، أوصيك بطاعتهم ووصلهم وبرهم، وهذا ماهو شي غريب لأنك يا بابا تربيت وانت تشوف بر والدك في جدتك.
أبوك يا خليفة اتعب من بعده بالبر والحب والطيب لوالديه، ابوك يا خليفة كان يطبق ما قاله ربنا عز وجل في محكم التنزيل (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة).
مسك الختام: ادعوا معي يا أحباب للغالية فاطمة الأنصاري، اللهم يا حي يا قيوم يا من وسعت رحمتك كل شيء ارحم أمتك فاطمة برحمتك وكرمك، اللهم اغسلها بالماء والثلج والبرد ونقّها من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
اللهم أبدلها دارا خير من دارها واجعلها آمنة مطمئنة في جوارك واجمعنا معها في جنات الفردوس الأعلى. اللهم آمين.
وتسقط دمعة لدموعك الغالية يا صديقي ورفيق دربي..
[email protected]