اعتقاد خاطئ سائد لدى شريحة من الناس أن الإنسان كلما ارتقى في المنصب زاد عدد من يخدمه، والحقيقة أن من يملك الفكر والمهارات القيادية يعلم أن الأمر عكس ذلك، فكلما ترقى الإنسان في السلم الإداري وتبوأ مناصب أعلى زاد عدد من يخدمهم، فيضيف لهم القيمة عن طريق خدمتهم، مما يسهم في اتساع تأثيره.
تتعدد أسباب انتشار هذا الاعتقاد، ويتحمل صاحب المنصب جزءا كبيرا من المسؤولية، كما يتحمل الموظفون جزءا آخر، فجهل المسؤول بوظيفته وعدم إلمامه بما هو مطلوب منه إضافة إلى عامل الكسل وانعدام كفاءته كل هذا يدفعه إلى تكليف الموظف بمهام ليست من صلب أعماله، في المقابل نجد موظفا يقبل على نفسه القيام بهذه الأعمال طمعا في مكاسب شخصية غير مستحقة، والوصول إلى غايات عبر وسائل غير شرعية تتيح له بعض الامتيازات، فيجعل من التملق للمسؤول طريقا وسلما يتسلقه حتى إن كان على حساب جهده وقته وربما كرامته! فلو لم يجد المسؤول من يرتضي على نفسه القيام بأعماله الخاصة لما تجرأ واستمرأ هذه التصرفات.
لا شك أن انتهاج المسؤول هذا السلوك في مؤسسته له آثار سلبية عن طريق تقريب غير الأكفاء مما يترتب عليه ظلم للمجتهدين ويؤدي إلى انتشار الشللية وشيوع فكر العمل الفردي على حساب العمل الجماعي، الذي يقود إلى الإحباط لدى شريحة كبيرة من الموظفين وانتشار عدم الرضا الوظيفي، ناهيك عن الحزازات والخلافات التي تنشأ بينهم، فتعرقل هذه الممارسات الإنجاز في المؤسسة وتسهم في انتشار الفساد الإداري بها.
وللقضاء على هذه الظاهرة - إن كانت ترقى إلى مستوى الظاهرة - لابد من خطوات وإجراءات على المستوى الشخصي وعلى المستوى الإداري المؤسسي، فعلى المسؤول أن يتحمل مسؤولياته التي كلف بها، والعمل على تطوير نفسه ليكون قادرا على أداء مهامه، وأن يراقب الله تعالى في أعماله وتصرفاته، ويجتهد في تغيير قناعاته والابتعاد عن زهوة المنصب المغرية، والإيمان بأن هذا المنصب زائل ولا يبقى إلا آثاره وإنجازاته.
وعلى الموظف أن يعرف حقوقه وواجباته حتى لا يتم استغلال جهده واستنفاد طاقته بما هو ليس مطلوبا منه، وأن يواجه هذه النماذج من المسؤولين ويرفض الرضوخ لها أو قبول ابتزاز بعضها في عملية التقييم وتوزيع الامتيازات.
أما على المستوى الإداري المؤسسي فالواجب أن تكون معايير الترقي واضحة ومنصفة، تصب في الصالح العام، بعيدة عن الضبابية وإمكانية تعدد التفسيرات والتأويلات، كما ينبغي أن يكون الوصف الوظيفي محددا، يعرف من خلاله الموظف حقوقه وواجباته وما سيتم تقييمه بناء عليه، مع ضرورة تطبيق اللوائح والقوانين بشكل عادل، فيكافأ المجد على عمله، ويحاسب المقصر على إهماله.
إذا استطعنا تغيير قناعاتنا، وعملنا على نشر الفكر القيادي الصحيح في مؤسساتنا، وطبقنا القوانين واللوائح دون تمييز ولا تفرقة، وابتعدنا عن المحسوبيات وتنفيع من لا يستحق، وأسندنا المناصب للقوي الأمين، فإن ذلك سيكون خطوة في طريق الإصلاح الذي ينشده الجميع، وتقدما في مسيرة محاربة الفساد الذي نهش جسد الكثير من القطاعات في البلاد، وعطل برامج التنمية والمشاريع الحيوية.
[email protected]