ونحن نحتفل بذكرى مرور قرن على تأسيس أول دستور كويتي يولد في الوطن العربي، نستذكر أولئك الرجال الأوفياء الذين سخروا وقتهم وجهدهم وضحوا بالغالي والنفيس لوضع قواعد ولبنات دستور الكرامة للديموقراطية الكويتية، الديموقراطية التي كانت ومازالت تسري في عروق الشعب الكويتي الأصيل بالفطرة، فمنذ تأسيس الكويت في منتصف القرن الثامن عشر، وبأبسط صور الديموقراطية اتفق الكويتيون والتقت إرادتهم على اختيارأسرة آل صباح الكريمة حكاما لها ونصبوا الشيخ صباح الأول ليكون أول حاكم للبلاد، تم ذلك بقناعتهم دون ضغوط أو تدخلات من دول خارجية عظمى كانت أو صغرى.
وفي عام 1921 صدر دستور الكويت الأول وهو أول دستور مكتوب في الكويت، ويحتوي على 5 مواد فقط، وتطبيقا لهذا الدستور تم إنشاء مجلس استشاري في العام نفسه، وفي عام 1938 صدر الدستور الثاني عن المجلس التشريعي الذي أنشئ في العام نفسه، وأعضاء المجلس التشريعي منتخبون وعددهم 15عضوا، ويعد أكثر شمولا من الدستورالذي سبقه.
وفي عام 1961 أصدرالأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الدستور الثالث لينظم عمل السلطات العامة حتى يتم الانتهاء من الدستور الدائم، وتم العمل بهذا الدستور لمدة عام واحد فقط حتى صدر آخر دستور للكويت في 11 نوفمبر 1962.
إن الدستور الكويتي هو كرامة الشعب، وهو عصب الديموقراطية التي ضحى من أجلها رجال الكويت المخلصون، وهو خارطة الطريق التي تقود الكويتيين إلى سلم الرقي إلى مصاف الأمم المتحضرة، وأعضاء مجلس الأمة هم الحراس الذين ينتخبهم الشعب ويفوضهم لحفظ وصيانة هذا الدستور.
وللأسف الشديد فإن بعض حراس الدستور خذلوا الشعب، ودمروا كل ما بناه رجال الكويت السابقون المخلصون، خانوا أمانتهم ولهثوا وراء مصالحهم ومكاسبهم الشخصية الرخيصة وأصبح مبدأ صيانة الدستور والمحافظة عليه آخر همهم، حاربوا الشعب وقيدوا الحريات، شرعوا كل ما من شأنه تكميم الأفواه لتقييد المواطن ومنعوا حرية إبداء الرأي، وتغاضوا عن دورهم الرقابي على الحكومة، وانساقوا وراء مصالحهم الشخصية الرخيصة، مشوهين أجمل صور الديموقراطية الكويتية والتي كانت المنطقة والعالم يشيرون إليها بالبنان ويشيدون بتجربة الكويت الرائدة فيها.
لهذه الأسباب ولسوء أداء بعض النواب قاطع الكثير من الكويتيين مجلس الصوت الواحد لعدم قناعتهم بالمبدأ، وإن كنت أتفق معهم في بعض وجهات نظرهم، ولكن مقاطعة الانتخابات تعتبر خطأ جسيما يفتح المجال لمزيد من الفرص لوصول النماذج سيئة الذكر إلى قاعة عبدالله السالم، وسنرى فوز المزيد من المترشحين الذين اعتادوا على أن يذلوا أنفسهم ويتوسلوا لناخبيهم أن يعطوهم أصواتهم، وكأنهم يقاتلون للوصول لمفاتيح الكنز المنتظر على الكرسي الأخضر، وآخرين يعدون ناخبيهم بتحقيق مطالبهم وبالتعيينات غير الشرعية بالواسطة لتبادل المصالح مع الوزراء ودعمهم عن الضرورة.
إن ما تواجهه الكويت الحبيبة من مصائب تنهال عليها من كل حدب وصوب، وما تواجهه من قضايا فساد، خاصة أن كل المؤشرات تنبئ بالمزيد منها قادم لا محالة، لذا يصبح لزاما علينا أن نستفيق من هذا السبات العميق، وبعيدا عن الطائفية والقبلية والتي تقودنا دائما إلى طرق مسدودة، دعونا نتعظ وندعم انتخاب المستحقين من أبناء الكويت المخلصين أصحاب الخبرة لنمنع وصول هؤلاء الفاسدين، ويجب ألا نيأس فقد لا نحصل على كل مطالبنا في المجلس القادم، ولكن إذا استمرت عزيمتنا بهذا النهج فسننجح إن شاء الله، ونعيد أمجاد البرلمانيين الأبطال السابقين الذين حاربوا الفساد وأوفوا بقسمهم، فسطر الشعب أسماءهم بحروف من الذهب في لائحة شرف أعضاء مجلس الأمة المخلصين والذين ستبقى ذكراهم خالدة ولن ينساهم الشعب أبدا.
شاركوا ولا تخذلوا الكويت، لا تقاطعوا الانتخابات وحاربوا هؤلاء المفسدين واختاروا القوي الأمين، فالكويت أمانة في أعناقنا.
[email protected]