حينما تجد نفسك تدفعك نحو العزلة وترك كل ما تعلقت به، هذا يعني أنها قد فاض احتمالها، ولذعتها مرارة الصبر وأذابها طول الانتظار، فتجد ذاتك لا إراديا تبحث عن ملاذ تحت أقدام العابرين التائهين المسحورين بجمال فتاتهم الخادعة «الدنيا» الذي يذهب بعقولهم، فلا يتطلعون إلا أن ينالهم بعض من ذاك السحر المصطنع الزائل، كل ما يشغل خاطرهم هو العبور من باب إلى باب! ويصعدون سلما تلو الآخر، ظانين أنهم بذلك سيكونون من الفائزين! متناسين أن في نهاية طريقهم المطرز بالذهب والمرجان جب الحقيقة الذي يتحول عندها العقل إلى منتهى الوعي والإدراك.
فيستقر يقينك أن ذلك المكان هو الأمان الحقيقي لتتوارى عن أنظارهم القاطعة كالسيف ورماح نفاقهم الحادة القاتلة، وأنانيتهم التي أثارت نفورك، لا يشغل بالك إلا أن تأخذ نفسك إلى مكان غير مرئي سواء كان جبا تحت الأرض أو جزيرة معزولة عن أعين الناس لا ترى فيها تلك الأقنعة الزائفة التي تثير نفورك وغضبك.
ويثيرك ذلك الصخب الذي أصبح يحيط بك في كل مكان، صخب في العقل يتناول الكثير من التساؤلات التي تخص المستقبل والغد وصخب العمل وصخب المجتمع والناس والعائلة، زحمة في كل مكان داخلك وخارجك تحتاج إلى أن تخرج من نفسك وتذهب إلى مكان لا يعرفك فيه أحد أو تذهب لتختلي مع ربك وتطلب منه العون كي يقويك على نفسك ويعينك على تلك الحياة.
تلك هي الدنيا ما هي إلا صخب، أمانٍ لا تتوقف، كلما تحقق منها أمر تجد الآخر موصولا به وقد فرض عليك، يجب خوضه وتحقيقه.. وهكذا دائرة لا تنتهي حتى نقابل ربّاً كريماً.
والفائز هو من يعرف كيف يوقف ذلك الصخب حينما يشاء ويعرف كيف يهرب بنفسه من صخب الدنيا ولا يسمح له بالسيطرة عليه والانخراط في تلك الدائرة التي لا تتوقف إلا بانتهاء الأجل.
اللهم ردّنا إليك ردّاً جميلاً.
[email protected]