رحل سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد عن عالمنا، وفقدت الكويت برحيله واحدا من أعظم القادة في تاريخ العالم الحديث والمنطقة العربية والشرق الأوسط، تاركا خلفه تاريخا حافلا مجيدا مشرفا من العطاء الإنساني والديبلوماسي، رحل قائد الإنسانية وأيقونتها وتاج جبينها ورمزها الأكبر في هذا الزمن الموبوء بالحروب والفتن والقلاقل، رحل سموه وترك فراغا كبيرا يصعب احتلاله، ولم لا وهو فارس الديبلوماسية وشيخها وأمير الإنسانية وقائدها!
ولد الشيخ صباح في عام 1929 وتلقى تعليمه في مدرسة المباركية واستكمل تعليمه بالخارج، وقد بدأ المعترك السياسي لخدمة وطنه عام 1954 كعضو في الهيئة التنفيذية العليا، وهو أول وزير إعلام وثاني وزير للخارجية في تاريخ الكويت، وقد استمر في وزارة الشؤون الخارجية لأربعة عقود كانت حافلة بالعطاء غير المحدود لم يتوقف فيها يوما عن تقديم يد العون لتخفيف معاناة الشعوب الفقيرة أو المنكوبة حتى عرفه العالم كأكثر الحكام دعما وعونا وسندا لشعوب الأرض...تولى سموه مسند الإمارة في يناير 2006 خلفا لسمو الشيخ سعد العبدلله، طيب الله ثراه.
لقد كان المغفور له فارسا للديبلوماسية بحق، وقد تجلت حكمته وبراعته على مدار تاريخه السياسي العريق في فض المنازعات بين الفرقاء في المنطقة العربية، وكان أكبر داعما للحلول السلمية وتغليب لغة الحوار تحت المظلة العربية، ولا ننسى دوره مطلع سبعينيات القرن الماضي لوقف النزاع بين شمال اليمن وجنوبها، والتقريب بين عمان واليمن عام 1980 ودوره الكبير في حرب الخليج، وقضية بلاده العادلة إبان الغزو الصدامي الغاشم، وقد تكللت جهود سموه بالحصول على لقب (قائد العمل الإنساني) في 9 سبتمبر 2014 من منظمة الأمم المتحدة واعتبار الكويت (مركزا للعمل الإنساني) وذلك لدور سموه العظيم في نزع فتيل الأزمات قبل نشوب الاقتتال في المنطقة، ورغم مرارة الغزو الصدامي، إلا أن التاريخ سجل موقفا عظيما لأمير الإنسانية عندما دعا لمؤتمر عالمي لإعادة إعمار العراق في فبراير 2018 تكلل بالنجاح بضخ 30 مليار دولار كان نصيب الكويت منها 2 مليار دولار على هيئة قروض وتسهيلات ائتمانية واستثمارات، وهذا يدل على أن سموه كان مهموما بالشعوب ومعاناتها بعيدا عن النزاعات العسكرية والسياسية، وكان ختامها مسكا بتكريم الرئيس الأميركي دونالد ترامب لسمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد بمنح سموه وسام الاستحقاق العسكري برتبة قائد أعلى، وهو وسام مرموق نادرا ما يتم منحه في تاريخ الولايات المتحدة، وقد تسلم الوسام بالنيابة الشيخ ناصر الصباح في حفل أقيم في البيت الأبيض 18سبتمبر 2020 وكان ذلك مرافقا لتكريم شخصي من الرئيس الأميركي للشيخ ناصر الصباح بمنحه هدية تذكارية عبارة عن قلم ونسخة تذكارية من مفتاح البيت الأبيض في دلالة واضحة لخصها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في جملة (لستم بحاجة لمفتاح للدخول للبيت الأبيض مرة أخرى) وهو بمنزلة تكريم كبير الهامة والقامة وحفر لاسم الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح في التاريخ الحديث إلى الأبد.
أما الإنجازات الداخلية للمغـــفور له سمـــو الأمير الشيخ صباح الأحمد فـــهي غـــير قابلة للـــعد والحصر، لعل أبرزها ازدهار منـــاخ الحــريات سياسيا وإعلاميا وتفعيل دور المرأة لأول مرة في عهده، حيث تكللت جهوده إبان رئاسته لمجلس الوزراء بتعيين أول وزير امرأة عام 2005 ثم بعد تولـــيه مسند الإمارة منح المرأة الكويتية حـــق التصويت في الانتخابات النيابية ثم حق الترشح لعـــضوية مجلس الأمة ودخولها المجلس لأول مرة في تاريـــخ الكويت، أما بخصوص النهضة الاقتصادية لتــنويع مصادر الدخل القومى في مرحلة ما بعد النفط فإن المشروع الوطني المتكامل (رؤية 2035) هو الأبرز لتحويل الكويت لمركز مالي وتجاري عالمي وربطها بطريق الحرير كمحطة مهمة تم الاستعداد لها بمشاريع البنية التحتية.
والحقيقة أننا لن نستطيع حصر إنجـــازات المغـــفور له سمو الأمير الشيخ صباح الأحـــمد - طيب الـــله ثراه - في مقال، ولكننا نـــمر ســـريعا على مواقف عظيمة ومشاهد مضيئة لرجل كان يحمل قلبا محبا للعالم عامة ووطنه خاصة، وبفقده فقدت الإنسانية ركيزتها وقائدها، وهــذا غيض من فيض لإنجازات أمير بحجم العالم.. رحـــم الله الـــقائد العظيم والوالد الحنون، وجعل ما قدم من عطاء في ميزان حسناته، رزقه الله فـــسيح الجنان وعظم الله أجورنا جميعا.. و(إنا لله وإنا إليه راجعون).