للوهلة الأولى، يبدو الأمر لا غبار عليه: أعلام ملونة تحمل حرف «كيو» (Q) ظهرت بأعداد كبيرة في المظاهرات ضد إجراءات احتواء جائحة كورونا في المانيا.
«كيو» (Q) هو الحرف الأول من حركة ألمانية تدعى (Querdeneken)، والتي تعني بالعربية «التفكير الجانبي». لكن هذا ليس المعنى الوحيد الذي يعبر عنه حرف «Q»، فهو أيضا الحرف المعبر عن صاحب قصة المؤامرة الشاملة «QAnons» (كيو أنون)، التي بدأت في الولايات المتحدة.
ويقول الخبير ماتياس بولمان الذي راقب الاحتجاجات في ألمانيا وتواجد حتى في بعضها ان البعض حريص على إقامة صلة بين حركة (كيو أنون) و(التفكير الجانبي)، حيث يقول: «يتم توزيع هذه الأعلام في المظاهرات، والكثير منهم لا يعرفون حتى ما وراءها».
ويرى بولمان، الذي يشغل أيضا منصب ممثل الطائفة الكنسية الإنجيلية-اللوترية في ولاية بافاريا الألمانية، أنه من الضروري إلقاء نظرة على هذا التطور، حيث إن حركة «كيو أنون» تدور حول قناعات معادية للديمقراطية ومعادية للسامية جزئيا.
وتعتبر نظرية المؤامرة المرتبطة بحرف «Q» (كيو) جديدة نسبيا، حيث بدأ انتشارها عام 2017 من منصة على الإنترنت يمكن النشر عليها بشكل مجهول وبدون قيود تقريبا.
وكان يسري الأمر على النحو التالي: (كيو) هو موظف مزعوم أو مجموعة من أفراد عاملين في الحكومة تكشف بانتظام معلومات سرية عن مجرمين من الأوساط السياسية والمالية والأعمال الاستعراضية الفنية.
وتدور نظرية المؤامرة هذه في الأساس حول وجود عصبة أو رابطة سرية وراء كل ما يحدث في العالم - وهو ما يطلق عليه أنصار هذه النظرية اسم «الدولة العميقة»، التي تسعى إلى فرض «نظام عالمي جديد» وهو نوع من حكومة عالمية تهدف إلى إخضاع البشرية.
ويرى أتباع «كيو أنون» أنفسهم نخبة، حيث ينتمي إليهم فقط من يتمكن من فك شفراتهم، وأشهرها «WWG1WGA»، وهو شعار العمل الجماعي «Where We Go One، We Go All» - والتي تعني ضمنا (واحد من أجل الجميع، الكل من أجل الواحد).
ويقول بولمان: «يمثل هذا النوع من التخمين وفك الشفرات عامل جذب رائع للكثيرين، حيث تجد نفسك مشاركا في حبك قصة المؤامرة الكبيرة، وتعد نفسك من بين المتيقظين».
وتعتقد «كيو أنون» أن مخلصها هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي سينقذ العالم من جماعة شيطانية. وتنشر الحركة بصفة مستمرة أساطير عن عمليات تحرير مزعومة كلف بها المكتب البيضاوي (المكتب الرسمي للرئيس الأميركي).
من ناحية أخرى، لا يبدو أن لدى ترامب مشكلة في أن تتبناه الحركة. ففي أغسطس الماضي على سبيل المثال، فوت ترامب الفرصة للنأي بنفسه عن مؤيدي نظريات المؤامرة، وقال: «سمعت أنهم أناس يحبون بلادنا».
وتتوافق أكاذيب «كيو أنون» مع أعداء الديموقراطية والمتطرفين اليمينيين ومعاداة السامية. وفي ألمانيا لاقت الحركة أيضا تأييدا من أنصار حركة «مواطني الرايخ» اليمينية المتطرفة والأصوليين المسيحيين ومحبي الروحانيات. ويرى بولمان أنه يتعين مراقبة الوضع عن كثب لمعرفة ما إذا كانت الكراهية الكامنة لهؤلاء الأفراد قد تؤدي إلى اندلاع أعمال عنف.
وتدعم الدراسات العلمية هذا المخاوف، حيث يرتبط الإيمان بروايات المؤامرة بزيادة احتمال تأييد العنف أو حتى أن يصبح الفرد نفسه عنيفا.
وتلخص كاترينا نوكون وبيا لامبرتي في كتابهما المعنون«حقائق مزيفة»، قائلتين: «يمكن لروايات المؤامرة إضفاء الشرعية على العنف ضد الآخرين، وفي الوقت نفسه حماية أنصارها من النقد». وهذا يعني أن الأعلام الملونة والقصص المبتذلة لا ينبغي أن تخفي حقيقة أنه غالبا ما توجد خلفها ميول مؤذية مناهضة للديمقراطية.