بيروت ـ بولين فاضل
انتظرت ريتا حايك وتأنت قبل أن تعثر على «ياسمين»، لا مشكلة في الانتظار، وهي المعروفة بتمهلها ودقتها في انتقاء الأدوار التي تحاكيها وتحاكي المرحلة التي بلغتها اليوم من نضج المهنة والتفكير كعصارة لتجارب الحياة وما أكثرها وأغناها لمن يرغب في أن يتعلم ويتطور.
المؤكد أن التمثيل في قاموسها ليس فرضا تنجزه في شهرين أو ثلاثة أشهر وليس رسالة تدعي حمل لوائها والسير بها.
المفهوم كما تراه حايك هو أكثر بساطة، فما يصنع على الشاشة ليس سوى الحقيقة والحياة، وما تريده هو شخصية تتحداها، تقدم لها جديدا وتسليها على أرض التصوير، كل هذه العناصر وجدتها في «ياسمين».
فكان الانجذاب التلقائي إليها وهي شخصية قد تبدو في البداية مستسلمة للانكسار والظلم قبل أن تنتفض على واقعها وتظهر قوية بشكل كاف لتحقيق ما تريد.
في دور «ياسمين» وظفت ريتا خبرة أربع عشرة سنة من العمل والاجتهاد، وقد أضافت إلى أدواتها كممثلة أحاسيسها كأم فعلية في الحياة اختبرت الأمومة وعاشت معناها ودنياها، وبالتالي فإن إحساس الأمومة والجانب الشرس داخل كل أم ظهرا في شخصية «ياسمين» التي قد تفعل أي شيء من أجل ابنها القابع في غيبوبة بالمستشفى.
وبموازاة مسلسل «من الآخر» والسعادة بإيجابية ردود الفعل عليه، شخصية أخرى من واقع الحياة انتهت أخيرا ريتا حايك من تجسيدها في فيلم قصير يندرج ضمن خمسة عشر فيلما قصيرا كل منها يروي قصة من قصص ضحايا انفجار مرفأ بيروت.
أما القصة التي وقع الاختيار على ريتا لتجسيدها فهي قصة «إيما» التي كانت تهم بدخول غرفة الولادة في المستشفى لوضع طفلها وإلى جانبها زوجها «إيدي» الذي كان يصور تلك اللحظات بهاتفه قبل أن يدوي الانفجار، وتقول ريتا انها جالست الزوجين قبل التصوير وتحدثت معهما عن التجربة، وقد شعرت بأن اختيارها بالذات لتجسيد هذه القصة هو أقرب إلى الإشارة أو العلامة لاسيما أن الطفل الذي وضعته إيما في ذاك اليوم الأسود حمل اسم جورج وهو الاسم نفسه لطفلها.
وتقول «بعد وقوع كارثة بيروت، عشت عقدة ذنب لتفكير سادني بأن ما أصاب سواي لم يصبني وكان يمكن أن يصبني لو أني كنت في منزلي البيروتي لا في المنزل الجبلي، وقد أتى لاحقا مشروع الفيلم القصير ليساعدني على التحرر من عقدة الذنب هذه كوني جسدت قصة ثنائي عاش سوداوية تلك اللحظات».
وعما إذا كانت فكرة الهجرة قد راودتها وزوجها بعد مأساة المرفأ، أقرت ريتا بأن ردة فعلها الأولى بعد الانفجار كانت الرغبة في الرحيل عن لبنان لحماية ابنها، لكن مع مرور بعض الوقت فكرت وزوجها بهدوء في الأمر وقررا التمهل في اتخاذ قرار السفر، خصوصا أن طفلها متعلق جدا بجده وجدتيه، وهم بدورهم فرحون بالحفيد الذي يكبر بينهم، فضلا عن أنها تريد طفلها أن ينشأ في لبنان وسط العائلة الكبرى ويتعلم ثلاث أو أربع لغات.
وتقول «ما أفكر به هو أن تكون مرحلة التأسيس والنمو لابني في لبنان، وحين يكبر ويصبح صاحب قراره يعود إليه أن ينفض جناحيه ويطير حيث يريد».