لطالما سمعت وقرأت عن مستشفى في شمال الولايات المتحدة يدعى مايو كلينك.
تارة عبر أشخاص قصدوا ذلك المكان أملا بالشفاء من مرض ما لم ينجح مكان آخر في القضاء عليه أو تارة من بعض الأصدقاء العاملين في المجال الطبي الذين يطمحون بأن ينضموا الى الكادر الطبي هناك سواء للعمل أو التدريب.
لم أتخيل أن أزور ذلك المستشفى وأقضي فيه حوالي ستة أيام، ليس كطبيب أو مريض بالطبع، لكن كصحافي، وهذا ما حدث.
مدينة غريبة...
منذ اللحظة الأولى التي تصل فيها مدينة روتشستر تشعر بشيء غريب، لدرجة تدفعك للتساؤل، هل أنا في مستشفى كبير داخل مدينة صغيرة أم في مدينة صغيرة داخل مستشفى كبير؟
أينما توجهت ترى شعار المستشفى المؤلف من ثلاثة دروع متداخلة تقريبا على مدخل كل مبنى في هذه المدينة، وأينما تجولت ترى شخصا ما يرتدي الزي الطبي.
في الفندق الذي أقمت به تحدثت إلى العشرات من النزلاء الاخرين وجميعهم كانوا إما مرضى يتلقون العلاج أو أشخاصاً يرافقونهم في تلك الرحلة، وحتى غرف الفندق صممت بطريقة تلائم احتياجات شخص في رحلة علاج من المرض .
أتذكر في الليلة الأولى التي وصلت فيها الى المدينة قررت الذهاب لتناول العشاء في أحد المطاعم القريبة من الفندق. بعد أن رحّبت بي النادلة وقادتني الى الطاولة سألتني إذا كنت أعاني من أي أمراض أو حالة طبية تمنعني من تناول طعام معين.
اندهشت كثيرا من نبرة صوتها ولطافة حديثها. قلت في قرارة نفسي ربما ساعات السفر الطويلة جعلتني أبدوا وكأنني مريض ، لكن ذلك كان يتكرر تقريبا في كل مرة أزور مطعما جديدا وكأن كل العاملين مدربون للتعامل بشكل معين مع زائري المدينة.
الهدف من زيارتي كان لتصوير إحدى حلقات الموسم الجديد لبرنامج 4تك ولقاء رجل كويتي في الثلاثينات من العمر أمضى ثلاث سنوات في مدينة روتشيستر انتظارا لملائمة متبرع له بقلب جديد.
أخبرني فيصل كيف تكيّف مع حياته الجديدة في تلك المدينة شديدة البرودة في فصل الشتاء بعيدا عن شمس الكويت الحارقة وكيف أصبح لكل ركن فيها ذكرى جميلة لن ينسها مع كل نبضة ينبض بها قلبه الجديد.
أخبرني لحظة إعلامه بوجود متبرع بالقلب وكيف كان أمامه فقط ثلاث ساعات ليودع عائلته الصغيرة قبل دخول غرفة العمليات لعشرين ساعة.
سألته عن مدى فرحته بسماع ذلك الخبر وهي لحظة انتظرها ثلاث سنوات، لكنه قال إنه شعر بحزن شديد لأن حصوله على ذلك القلب يعني انتهاء حياة شخص آخر.
خلال الأيام الستة التي قضيتها في مستشفى مايو كلينك شاهدت الكثير من التجارب المؤثرة، جعلتني أشعر وكأننا نعيش في عالمين. العالم الذي نعرفه نحن فوق سطح الأرض وعالم طبي آخر موزع في طبقات عدة تحت ذلك السطح في هذا المستشفى وربما غيره من المستشفيات أيضا. عالم يتشبث فيه المرضى بأي أمل لحياة جديدة أفضل وكادر طبي يعمل جاهدا لجعل ذلك الأمل حقيقة.
جوانب أخرى لهذه الرحلة يمكنكم مشاهدتها هذا السبت السادس من يونيو في حلقة 4تك الساعة الخامسة والنصف مساء بتوقيت غرينتش على شاشة بي بي سي عربي.