أدرك الأصدقاء الثلاثة جوشوا بارلي، وسوني درينكووتر، وكيران فيتزجيرالد، وجميعهم يبلغون من العمر 22 عامًا، أن سوق العمل سيكون صعبًا على الخريجين الجدد، خاصة بعدما اتضح حجم التأثير الهائل لفيروس كورونا على سوق العمل في شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان.
وكان جوشوا وسوني صديقين قديمين من أيام الدراسة. وقابل جوشوا كيران في جامعة برمنغهام، وقدمه لسوني، الذي كان يدرس في بريستول.
وأدرك الطلاب الثلاثة، وهم في السنة النهائية من الدراسة، اختفاء فرص العمل وبرامج الدراسات العليا في فصل الربيع بسبب تفشي فيروس كورونا.
لذلك قرروا تأسيس شركة، جمعوا فيها كل الخبرات والمهارات التي لديهم، فقد درس كل من جوشوا وسوني علم التغذية، في حين كان كيران يدرس فوائد تبادل الهدايا في مكان العمل، كجزء من مشروع تخرجه.
وقد استغلوا هذه الاهتمامات للتركيز على ما أصبح بوضوح حقيقة جديدة هامة في الحياة، وهي العمل من المنزل.
لقد أنشأ الثلاثة شركة "سناكسيس" ، لتوفير صناديق هدايا من الوجبات الخفيفة الصحية للشركات لإرسالها للموظفين الذين يعملون من المنزل.
ويحتوي الصندوق على وجبات خفيفة وصحية ذات علامات تجارية معروفة، من النوع الذي قد تجده في متاجر الأغذية العضوية.
وتحصل الشركة على البضائع بأسعار أقل عن طريق الشراء مباشرة من الشركات المصنعة. وعندما بدأت الشركة العمل في يوليو/تموز، باعت خمسة صناديق فقط، لكن حجم مبيعاتها ارتفع بمقدار عشرة أضعاف في أغسطس/آب. وفي سبتمبر/أيلول، باعت الشركة 800 صندوق، بعائدات تتجاوز 9,000 جنيه إسترليني.
وفي البداية، كان الثلاثة أصدقاء يعبؤون ويغلفون البضائع بأنفسهم في مرآب مملوك لوالدي سوني في مقاطعة كينت. لكنهم الآن عينوا أول موظف في الشركة ليعمل على تعبئة البضائع. والآن، أصبح لدى الشركة العديد من العملاء المميزين، مثل "إتش إس بي سي"، و"إيريس"، و"لولوليمون".
لكن هذا النجاح أدى إلى ظهور معضلة للفريق، فلم يكن من المفترض أن يكون هذا العمل بمثابة مشروع دائم، بل فكروا فيه على أنه مرحلة مؤقتة، إلى أن تدور عجلة الاقتصاد من جديد ويمكنهم العثور على وظائف أخرى.
يقول سوني عن ذلك: "لقد تغير كل هذا الآن، ونمت الشركة بشكل كبير، ونحن في طريقنا لمحاولة الاستفادة من ذلك".
ويضيف جوشوا: "نحن الآن نرى في هذا فرصة على المدى الطويل بالنسبة لنا".
أما كيران فقد عثر على وظيفة في "إتش إس بي سي"، لكنه متردد في ترك الشركة التي ساعد في تأسيسها، وبالتالي لا يزال يعمل فيها، وإن كان لوقت أقل من ذي قبل.
بالنسبة للثلاثة أصدقاء، يمثل هذا الأمر تجربة هائلة للتعلم. يقول سوني: "نصيحتي هي أن تفعل شيئاً صغيراً واحداً كل يوم يجعل فكرة عملك أكثر واقعية، سواء كان ذلك عبارة عن إعداد لاجتماع، أو بناء نموذج أولي".
ويقول كيران: "ولا تخافوا من صعوبة التواصل مع الآخرين، وكل ما يتعين عليكم القيام به هو التواصل مع الناس عبر تطبيق لينكيد إن، وسوف تتفاجأوا بمن يعاودون الرد عليكم".
وعلى الرغم من حالة عدم اليقين المصاحبة للإغلاق الشامل بسبب فيروس كورونا، فقد اغتنم كثيرون هذه الفرصة لإنشاء شركات جديدة، والدليل على ذلك أن عدد الشركات التي أنشئت في يونيو/حزيران 2020 كان أكبر بنحو 50 في المئة من عدد الشركات التي أنشئت في نفس الشهر من عام 2019، وفقًا لمركز رواد الأعمال. وقد سجل شهر يوليو/تموز رقما قياسيا جديدا، حيث جرى تسجيل أكثر من 81 ألف شركة.
ولا توجد بيانات واضحة بشأن العدد الفعلي للشركات التي أنشأها خريجون جدد. لكن العديد من طلاب السنة النهائية الذين يواجهون فرصاً أقل للعمل والتدريب الداخلي، قرروا أن يبدؤوا الأمر بأنفسهم.
وتقول جوزفين فيليبس، البالغة من العمر 23 عامًا، إن لديها دائمًا "دافعاً جينياً لريادة المشروعات".
وقد أظهرت ذلك بالفعل وهي في السنة الأولى بالجامعة، حيث كانت تدرس الفيزياء والفلسفة في كلية كينغز كوليدج في لندن. وقالت إنها جمعت مبلغاً جيداً من المال من بيع الملابس المستعملة على تطبيق "ديبوب" واسع الانتشار.
وفي نفس الوقت، عكفت على تطوير فكرة إنشاء منصة الأزياء الرقمية الخاصة بها، وكانت تحلم بأن تكون منصتها "شبيهة بخدمة ديليفيرو، لكن للملابس المستعملة".
وتقول فيليبس إن هذه الفكرة طرأت على ذهنها نتيجة تجربتها الخاصة، حيث كانت في كثير من الأحيان تلمح قطعة من الملابس التي تحبها في متجر للملابس المستعملة، لكن كانت تتمنى لو طرأ عليها تعديل بسيط، إما لتحسين مظهرها أو لجعلها أكثر عصرية، لكن لم يكن لديها مهارات جيدة في الخياطة لكي تفعل ذلك بنفسها.
وعندما فُرضت إجراءات الإغلاق في مارس/آذار، جمدت تطبيق فكرتها في البداية، لكنها أدركت شيئا مهما للغاية. تقول فيليبس عن ذلك: "جميع المطاعم كانت تغلق أبوابها، لكن الشيء الذي كان يبقيهم على قيد الحياة هو موقع ديليفيرو. وبالتالي، فكرت في طريقة تتيح للخياطين الاستمرار في تلقي الطلبات بطريقة لا يحدث فيها اتصال".
وأطلقت فيليبس على شركتها اسم "سوجو"، وعينت فريقاً من راكبي الدراجات لجمع الملابس من المنازل ونقلها من وإلى محلات الخياطة لإجراء التعديلات عليها. وتركز الشركة في الوقت الحالي على غرب لندن.
ومع ذلك، لم يكن الطريق مفروشا بالورود أمام فيليبس، لأن الخريجين الجدد يواجهون بعض المشاكل فيما يتعلق بالمصداقية.
وتقول "أتذكر محاولتي الأولى، فقد ارتديت بدلة وملابس رسمية، لكن الخياط قال لي: كم عمرك؟ أنت تبدين مثل ابنتي البالغة من العمر 14 عاماً".
وقد اكتسبت فيليبس ثقة هذا الخياط من خلال التعامل معه لفترة تجريبية، وجلبت له 20 عميلا جديدا، وجعلته يكسب مئات الجنيهات من العمل، على حد قولها.
وتنطلق شركتها رسميا هذا الشهر، وتقول إنها لا تشعر بالقلق، مشيرة إلى أنها "متفائلة بشكل لا يصدق". وكانت تعتقد أنها ستجد صعوبة في توظيف راكبي الدراجات لجمع الملابس، لكن تقدم أكثر من 60 بطلبات للحصول على 20 وظيفة.
وتنصح فيليبس رواد الأعمال الشباب قائلة: "يمكن للإناث الصغيرات مثلي أن يواجهن بعض المشاكل فيما يتعلق بالثقة، لكنهن سيكتسبن خبرات بأنفسهن من العمل في السوق. لقد ذهبت إلى الكثير من المناسبات، سواء على الانترنت أو شخصيا، والتي كانت تدور حول أشياء مثل التسويق والترويج للمستثمرين، وهو الأمر الذي ساعدني كثيرا".
تقول سهريش أحمد، البالغة من العمر 22 عاماً: "إذا بدأت الشركة بشكل جيد فسوف أخصص كامل وقتي للعمل فيها، فدائما ما كنت أحلم بأن أكون مالكة لإحدى الشركات".
وتدير رائدة الأعمال الشابة الآن شركة مجوهرات عبر الإنترنت تسمى "روز إكليبس"، على الرغم من أن هذه لم تكن خطتها الأصلية.
وأثناء دراسة العلامات التجارية العالمية للأزياء في جامعة غلاسكو كاليدونيان على مدى السنوات الثلاث الماضية، كانت سيهريش تفكر دائما في العمل في مهنة تجارة الأزياء بالتجزئة.
ولكي تكسب بعض المال وتحصل على مزيد من الخبرات أثناء الدراسة، كانت سيهريش تعمل في مجموعة متنوعة من المتاجر، بما في ذلك "أوكسفام"، و"غاب"، و"مذركير" و"فيكتوريا سيكريت".
لكن بعد ذلك، تفشى فيروس كورونا. تقول سيهريش عن ذلك: "أول شيء تبادر إلى ذهني هو أنني لن أحضر مراسم التخرج، ولن أمشي على تلك المنصة، ذلك هو الشيء الذي كنت أتطلع إليه".
ثم أصبحت الآثار المترتبة على مستقبلها المهني واضحة تماما، فقد ألغيت فرص الدراسات العليا والتدريب الداخلي. لذا قررت أن تبدأ عملها في مجال المجوهرات، والذي كان حتى ذلك الحين مجرد حلم صعب التحقيق.
وبعد أن تفحص سيهريش العينات، تُحضر منتجاتها من الصين، ثم ترسلها إلى غلاسكو.
وتنصح سيهريش من هم في نفس موقفها، قائلة: "أعتقد أن الجيل الجديد من الخريجين يدركون تماما كيفية عمل وسائل التواصل الاجتماعي، ونحن بحاجة لاستغلال ذلك لصالحنا".
وتسوق سيهريش منتجاتها عبر حساباتها على إنستغرام و"تيك توك"، واستغلت معرفتها الكبيرة بهذه المنصات لكتابة منشورات مقنعة والاطلاع على أحدث الصيحات.
تقول سيهريش: "لقد فوجئت عندما بدأت تلقي طلبات للشراء من أشخاص لم يكونوا مجرد أصدقاء أو من أفراد العائلة".
وتحقق سيهريش عشرات المبيعات كل شهر، لكن ذلك ليس كافياً لكسب العيش حتى الآن، لكنها تريد أن ترى ما إذا كان باستطاعتها تنمية تجارتها لتكون أكثر من مجرد نشاط جانبي، وهو شيء لم تكن تفكر فيه من قبل.
لقد أحبط فيروس كورونا خطط العديد من الخريجين للمستقبل. لكن بعضهم بدأ يشعر باستعادة السيطرة على الأمور من خلال بدء مشروعاتهم الخاصة.