أغضب وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو بجولته «الوداعية» قبل ترك منصبه والتي استمرت 10 أيام عبر أوروبا والشرق الأوسط، تركيا وأثار سخط الفلسطينيين وأربك الفرنسيين.
وقالت وكالة بلومبيرغ للأنباء إنها رحلة بدت وكأنها تهدف إلى تلميع صورة بومبيو المحافظة وتحسينها استعدادا لحملة رئاسية محتملة في عام2024، ونظرا لأنه شخص غير مهتم بآداب الإتيكيت أو البروتوكول، فقد تسببت آخر جولة كبيرة لبومبيو بصفته وزير الخارجية الـ70 للولايات المتحدة في استفزازات لأولئك الذين شككوا في سياسة «أميركا أولا» التي انتهجها الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب ودور بومبيو باعتباره المروج الأول لها.
ومثل الرئيس ترامب، يرفض بومبيو الاعتراف علنا بفوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 3 نوفمبر الجاري. ومع ذلك، فإن الرحلة التي شملت سبع دول، وهي واحدة من أطول الرحلات التي قام بها كوزير، قدمت دليلا على أن بومبيو يتطلع بالفعل إلى ما بعد حقبة ترامب، حيث كانت الرحلة مزدحمة بالتصريحات التي من المحتمل أن تجعل حياة بايدن صعبة، وتعد المسرح لمستقبله السياسي.
وقال شادي حامد، الزميل البارز في مؤسسة بروكينجز للأبحاث: «إنه يقضي الشهرين الأخيرين في منصبه في إثارة غضب العالم.. إنه دور غريب يلعبه وزير خارجية الدولة في وقت حساس».
وبدأت الجولة في باريس، حيث كان أول نشاط لبومبيو - قبل لقاء المسؤولين الحكوميين - هو لقاء خاص مع صحافيين من وسائل الإعلام الفرنسية اليمينية، بما في ذلك مجلة «فالور أكتويل»، وهي مجلة تعرضت لانتقادات وإدانة شديدة باعتبارها عنصرية - وتم وضعها قيد التحقيق الأولي من قبل ممثل ادعاء - بعد طباعة صورة تظهر نائبة فرنسية سوداء وكأنها «عبدة» من العبيد في أحد المقالات التخيلية.
وذكرت وكالة بلومبيرغ للأنباء أنه في تركيا، اقترح بومبيو أن يأتي إليه وزراء الحكومة في مدينة اسطنبول - إلا أنهم رفضوا - وقد التقى برئيس الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية.
ووصف المسؤولون الأتراك بيان بومبيو بشأن الحرية الدينية في تركيا بأنه «غير ملائم للغاية».
وفي جورجيا، تدخل بومبيو في النزاع الدائر هناك بشأن الانتخابات، وأضفى الشرعية على حكومة اتخذت إجراءات صارمة ضد المحتجين الذين يطالبون بإجراء انتخابات جديدة.
ووصل بومبيو إلى ذروة انعدام الديبلوماسية من خلال زيارة مصنع نبيذ في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، والذي أطلق اسمه على أحد منتجاته من النبيذ الأحمر، مع ملصق يقول صنع بشكل شرعي، وذلك بسبب موقفه المؤيد للاستيطان.
وفي ظل أي إدارة سابقة، جمهورية أو ديموقراطية، كانت هذه الزيارة ممنوعة، نظرا لأن العائلات الفلسطينية مازالت تطالب بحقها في الأرض التي تم بناء مصنع النبيذ عليها.
وقالت صحيفة هآرتس ذات الميول اليسارية في مقال افتتاحي في اليوم الأخير لبومبيو في إسرائيل إنه «زار مستوطنات وشرب من الكأس المسمومة وأقر سلب الممتلكات.. هذه آخر أيام بومبيو. كم هو جيد أن يكون هذا هو الوضع».
ومع القيام بكل ذلك، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا؟ ما الذي كان مهما للغاية لدرجة أنه يستحق القيام برحلة في الوقت الذي بدأت فيه فرنسا وإسرائيل ودول أخرى عمليات إغلاق جديدة في محاولة يائسة للسيطرة على ڤيروس كورونا قبل عيد الميلاد؟ لقد كان قد تم التخطيط للجولة قبل الانتخابات الأميركية بفترة طويلة، ويسافر وزراء الخارجية بشكل روتيني في نهاية عملهم في الفترة الفاصلة بين الانتخابات والتنصيب.
وقبل الرحلة، قال مسؤولون كبار في وزارة الخارجية إن لها عدة أهداف، وهي تكريم ضحايا الإرهاب في فرنسا وتعزيز الحرية الدينية ومناقشة الاتفاقيات الديبلوماسية التي وقعتها إسرائيل مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين.
ورفض مسؤول كبير في وزارة الخارجية، الحديث إلى الصحافيين شريطة عدم الكشف عن هويته، فكرة أن تكون الرحلة بمنزلة جولة انتصار أو أنها كانت تهدف إلى تعزيز طموحات بومبيو. ووصف المسؤول الجولة بأنها مهمة ديبلوماسيا حتى في ظل تفشي وباء كورونا، قائلا إن الإدارة ستواصل سياساتها طوال فترة وجودها في المنصب.
وقبل وقت قصير من مغادرته الولايات المتحدة، عندما سئل في إيجاز عما إذا كان يستعد لإدارة بايدن، قال بومبيو «أنا أستعد لانتقال سلس إلى إدارة ثانية لترامب».
وعلى الرغم من أنها بدت مزحة، إلا أن بومبيو تعرض لانتقادات للاستخفاف بأزمة الانتخابات في بلاده، نظرا لأن الولايات المتحدة غالبا ما تتناول مشكلات الانتخابات في الدول الأخرى.
وخلال زياراته، تجنب بومبيو منح أي فرصة للصحافيين لتوجيه أسئلة إليه بشأن المرحلة الانتقالية وبايدن. ولم يعقد أي مؤتمر صحافي أو إيجاز، وأرجعت وزارة الخارجية السبب إلى قيود ڤيروس كورونا.
كما توجه بومبيو بمروحية إلى موقع عسكري تحول إلى منطقة سياحية في مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وتوقف بومبيو أيضا في متحف يسلط الضوء على المساهمات التي قدمها غير اليهود لإسرائيل على مر السنين، وهو يسمى متحف «أصدقاء صهيون».
وقال كينيث بولاك، الباحث المقيم في معهد «أمريكان إنتربرايز» لأبحاث السياسة العامة «أنا أراها محاولة أخرى من ترامب لتوضيح إرثه، ولكن من أجل توضيح إرثه، بدا وكأنه يضع إبهامه في عين منتقديه.. ربما يكون لدى بومبيو أشياء أخرى في ذهنه، خاصة تعزيز علاقته مع إسرائيل من أجل آفاقه المستقبلية».
ونفى المسؤولون أن يكون بومبيو قد استهدف دفع سياسات لتصبح أفخاخا أو شراكا خداعية لبايدن إذا سعى للعودة إلى سياسة أقل تحيزا لإسرائيل فيما يتعلق بالفلسطينيين.
وكان أكبر إعلان خلال رحلة بومبيو هو أن الولايات المتحدة ستسمح للبضائع المنتجة في المستوطنات الإسرائيلية بوضع ملصق «صنع في إسرائيل». وسيكون من الصعب على بايدن التراجع عن مثل هذه التحركات، مما سيعرضه لانتقادات من الجمهوريين الذين سيترشحون للرئاسة في عام 2024 وربما يكون من بينهم بومبيو بأنه ضعيف في دعمه لإسرائيل.