أطلق البابا فرنسيس نداء صارخا بعد وقت قصير من وصوله الى العراق في زيارة تاريخية غير مسبوقة الى بلد دمرته الحروب والنزاعات، قائلا "لتصمت الأسلحة!"، ومشددا على "الإرث الغني" الذي يشكله وجود المسيحيين.
وفي ظل تدابير أمنية مشددة، تنقل موكب البابا وحده في طرق فارغة بسبب الحجر الإلزامي الذي فرضته السلطات خلال الأيام الثلاثة التي ستستغرقها زيارته للوقاية من كوفيد-19. ووضع البابا البالغ من العمر 84 عاما والذي تلقى اللقاح ضد فيروس كورونا في الفاتيكان قبل أسابيع، كمامة، مشددا على أهمية "أن نخرج من زمن المحنة هذا"، زمن الجائحة "أفضل ممّا كنا عليه من قبل، أن نبني المستقبل على ما يوحّدنا وليس على ما يفرّق بيننا".
وجدّد البابا التأكيد على أنه يأتي "بصفة تائب يطلب المغفرة من السماء ومن الاخوة للدمار الكثير وقسوة البشر"، و"حاجا يحمل السلام والتسامح".
وفور وصوله، تطرق إلى كل المواضيع الحساسة والقضايا التي يعاني منها العراق خلال لقائه الرئيس العراقي برهم صالح في قصر السلام في بغداد وقال " لتصمت الأسلحة! ولنضع حدا لانتشارها هنا وفي كل مكان! ولتتوقف المصالح الخاصة، المصالح الخارجية التي لا تهتم بالسكان المحليين. ولنستمع لمن يبني ويصنع السلام!".
وأضاف "كفى عنفا وتطرفا وتحزبات وعدم تسامح! ليعط المجال لكل المواطنين الذين يريدون أن يبنوا معا هذا البلد في الجوار وفي مواجهة صريحة وصادقة وبناءة".
ودعا إلى "التصدي لآفة الفساد وسوء استعمال السلطة، وكل ما هو غير شرعي"
وقال "ينبغي في الوقت نفسه تحقيق العدالة وتنمية النزاهة والشفافية وتقوية المؤسسات المسؤولة عن ذلك" من أجل تحقيق الأمن والاستقرار.
وشدّد على ضرورة "ضمان مشاركة جميع الفئات السياسية والاجتماعية والدينية، وأن نؤمن الحقوق الأساسية لجميع المواطنين"، قائلا "يجب ألا يعتبر أحد مواطنا من الدرجة الثانية".
وسمى الأيزيديين، "الضَّحايا الأبرياء للهمجية المتهورة وعديمة الإنسانية، فقد تعرضوا للاضطهاد والقتل بسبب انتمائهم الديني وتعرضت هويتهم وتعرض بقاؤهم نفسه للخطر".
واضاف "أتمنى ألا تسحب الدول يد الصداقة والالتزام البناء الممدودة إلى الشعب العراقي، بل تواصل العمل بروح المسؤولية المشتركة مع السلطات الحالية دون أن تفرض مصالح سياسية أو أيديولوجية" ، وبعد لقائه مع الرئيس العراقي، يبدأ البابا الشق الروحي والشعبي من زيارته، والتي يبدؤها بكاتدرائية سيدة النجاة الكاثوليكية ، وسيزور السبت والأحد النجف وأور وإربيل والموصل .
وسيكتفي جزء كبير من العراقيين بمشاهدة البابا من خلال شاشة التلفزيون، وسيستخدم البابا على الأرجح سيارة مصفحة في تنقلاته على طرق أعيد تأهيلها خصيصاً استعداداً للزيارة، بالإضافة الى مروحية وطائرة خاصة للتنقلات البعيدة سيعبر خلالها فوق مناطق لاتزال تنتشر فيها خلايا لتنظيم داعش، والذي أعلنت القوات العراقية الانتصار عليه وتحرير العراق منه منذ 2017.
وستغيب بسبب التدابير الوقائية من وباء كوفيد-19، الحشود التي اعتادت ملاقاة البابا في كل زياراته، مع استثناء خلال القداس الذي سيحييه الأحد في الهواء الطلق في إربيل في كردستان بحضور نحو أربعة آلاف شخص حجزوا أماكنهم مسبقا للمشاركة فيه، علما أن المكان يتسع لعشرين ألفا ، وأكدت السلطات العراقية أنها اتخذت كل التدابير الأمنية "برا وجوا".
ويلتقي البابا السيد علي السيستاني السبت في منزله ، وسيشارك في لقاء يجمع ممثلين عن الأديان والمذاهب المختلفة بمن فيهم الأيزيديون والصابئة.
وقال البابا في كلمته أمام الرئيس العراقي "إنّ وُجود المسيحيين العريق في هذه الأرْض وإسْهامهم في حياة البلد يشكّل إرثا غنيا"، مضيفا "إنّ مشاركتهم في الحياة العامّة، كمواطنين يتمتعون بصورة كاملة بالحقوق والحريات والمسؤوليات، ستشهد على أنّ التعددية الدينية والعرقِية والثقافية السليمة، يمكن أنْ تسْهم في ازدهار البلد وانسجامه.
وقام البابا بزيارة كاتدرائية "سيدة النجاة" في حي الكرادة ببغداد، حيث استقبلته مجموعات من المسيحيين بالزغاريد والأغاني عند بوابة الكاتدرائية ، معبرين عن اعتزازهم بقدومه لزيارة العراق.
وخاطب البابا المسيحيين قائلا، إن "محبة المسيح تتطلب منا أن نضع جانبا كل نوع من انواع الأنانية والمنافسة".
وقال"إن الأمن الاقتصادي والشخصي أدى إلى نزوح داخلي وهجرة الكثيرين إلى بلدان أخرى".