وسط الركام في ساحة حوش البيعة في الموصل، ترأس بابا الفاتيكان فرنسيس، قداسا عن أرواح «ضحايا الحرب» في منطقة كانت مسرحا لانتهاكات تنظيم داعش قبل سنوات قليلة، وأعرب في كلمة ألقاها للمناسبة عن أسفه لـ «التناقص المأساوي» بأعداد المسيحيين في الشرق الأوسط.
وفي اليوم الثالث من زيارته التاريخية للعراق التي تمت وسط إجراءات أمنية وصحية مشددة، قال البابا قبل أن يبدأ الصلاة قرب أنقاض كنيسة الطاهرة السريانية الكاثوليكية القديمة والمدمرة، «هذا التناقص المأساوي في أعداد تلاميذ المسيح، هنا وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط إنما هو ضرر جسيم لا يمكن تقديره»، مضيفا: «ليس فقط للأشخاص والجماعات المعنية، بل للمجتمع نفسه الذي تركوه وراءهم».
ولم يبق في العراق اليوم سوى 400 ألف مسيحي من سكانه البالغ عددهم 40 مليونا بعدما كان عددهم 1.5 مليون عام 2003 قبل الغزو الأميركي للعراق.
في الباحة، استقبل البابا بالتحيات والتصفيق، فيما جلس المصلون على مقاعد خشبية أمام منصة وضعت ليجلس عليها بابا الفاتيكان إلى جانب مسؤولين كنسيين آخرين، من بينهم رئيس أساقفة الموصل المطران نجيب ميخائيل موسى.
ورحب البابا في كلمته بدعوة المطران ميخائيل في كلمة ألقاها قبله الى «أن تعود الجماعة المسيحية الى الموصل وتقوم بدورها الحيوي في عملية الشفاء والتجديد».
معتبرا أن الهوية الحقيقة لمدينة الموصل هي العيش المتناغم معا بين أناس من مختلف الأصول والثقافات.
وصلى «من أجل ضحايا الحرب والنزاعات المسلحة»، مؤكدا أن «الرجاء أقوى من الموت، والسلام أقوى من الحرب»، مضيفا أنها لقسوة شديدة أن تكون هذه البلاد مهد الحضارات قد تعرضت لمثل هذه العاصفة اللا إنسانية التي دمرت دور العبادة القديمة وقتل فيها آلاف من الناس مسلمين ومسيحيين وإيزيديين وغيرهم هجروا بالقوة.
ولا توجد في نينوى كاتدرائية مناسبة لإقامة قداس بابوي، فقد دمرت 14 كنيسة في المحافظة على يد التنظيم المتطرف، ومنها ما يعود للقرون الخامس والسادس والسابع.
لذلك، أقيمت الصلاة أمام ما تبقى من كنيسة الطاهرة القديمة في الموصل التي بنيت قبل نحو ألف عام.
وقدم سكان بلدة قرقوش هدية فريدة للبابا تعكس تراث منطقتهم، هي عبارة عن وشاح صمم له خصيصا، إضافة إلى استعدادات أخرى من زينة ورايات ترحيبا به.
ولبلدة قرقوش أو بغديدة تاريخ قديم جدا سابق للمسيحية. يتحدث سكانها اليوم لهجة حديثة من الآرامية، لغة المسيح، ولذلك تعد محطة هامة في زيارة البابا.
ولحق دمار كبير بقرقوش على يد تنظيم داعش ولايزال الوضع الأمني متوترا مع انتشار الميليشيات المسلحة التي ترعاها الدولة بأعداد كبيرة في السهول المحيطة.
لكن بالإضافة إلى التحديات الأمنية، تأتي الزيارة وسط تحد صحي أيضا، مع زيادة بأعداد الإصابات بكوفيد-19، حرمت الحشود من ملاقاة البابا وإلقاء التحية عليه.
وبعيدا عن تراجع الأوضاع في البلاد وهاجس الرحيل، يرى المسيحيون الذين يدأبون منذ أسابيع على ترميم وتنظيف كنائسهم المدمرة والمحروقة، في هذه الزيارة البابوية الأولى في تاريخ العراق، رسالة أمل.
وقال الأب بطرس شيتو من أمام كنيسة الطاهرة الكبرى في قرقوش «البابا فرنسيس بثيابه البيضاء يعلن للعالم أجمع أننا أبناء السلام والحضارة والمحبة وأبناء القيامة».
وأحرق تنظيم داعش الكنيسة في قرقوش الواقعة على بعد نحو 30 كلم إلى جنوب مدينة الموصل، قبل أن يعاد ترميمها.
ولحق دمار كبير بالبلدة على يد التنظيم، ولايزال الوضع الأمني متوترا مع انتشار مجموعات مسلحة مدعومة من الدولة بأعداد كبيرة في السهول المحيطة.
وبعد ذلك عاد البابا الى اربيل، حيث أقام قداسا في الهواء الطلق في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، في ملعب يتسع لأكثر من 20 ألف شخص، لكنه لم يضم سوى 4 آلاف.
وكان جرى للحبر الأعظم استقبال رسمي وشعبي كبير في مطار أربيل الدولي وكان في مقدمة مستقبليه نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كردستان ومسرور بارزاني رئيس حكومة الإقليم ورجال دين من مختلف الطوائف وكبار المسؤولين.
واصطفت مجموعات من أبناء كردستان عند مدخل مطار أربيل لتحية البابا فيما تم رفع علم إقليم كردستان وعلم دولة الفاتيكان عند مدخل المطار.
وعقد رئيس إقليم كردستان اجتماعا مع بابا الفاتيكان في صالة الضيافة بمطار أربيل الدولي بحضور رئيس حكومة الإقليم.