في وقت تتراجع القوات الحكومية الأفغانية التي ستخسر قريبا الغطاء الجوي الأميركي الحيوي، لا يخفي قادة طالبان عزمهم استعادة السيطرة على البلاد بشكل كامل وإعادة تأسيس نظام إسلامي.
وفيما تخفق محادثات السلام غير المسبوقة بين المتمردين والحكومة الأفغانية في تحقيق أي تقدم في ظل تصاعد العنف في أنحاء أفغانستان، يشير المتمردون إلى أنهم سيطروا على نحو 30 منطقة منذ بدأت الولايات المتحدة سحب كامل جنودها مطلع مايو.
وفي ظل تراجع خطوط الإمداد، واجهت القوات الأفغانية ضغطا متزايدا من قبل مقاتلي طالبان في الأسابيع الأخيرة، ما أجبر قادة البلاد العسكريين للقيام بعمليات انسحاب استراتيجية من عدة مناطق ريفية.
وقال القيادي لطالبان في ولاية غزنة التي يجتاحها العنف الملا مصباح في مقابلة أجرتها معه فرانس برس مؤخرا «يعتقد الأميركيون المتعجرفون بأنه بإمكانهم مسح طالبان من على وجه الأرض».
وتابع «لكن طالبان هزمت الأميركيين وحلفاءهم وإن شاء الله، ستتم إقامة نظام إسلامي في أفغانستان الآن بما أنهم سيغادرون».
وخلال الأسابيع الأخيرة، سيطرت طالبان على منطقتين في غزنة، الولاية الاستراتيجية التي تضم الطريق السريع الرابط بين العاصمة ومعقل طالبان سابقا ـ قندهار في الجنوب.
وبات عناصر الحركة متواجدين في كل ولاية تقريبا بينما يحاصرون عددا من المدن الرئيسية الكبرى، وهي استراتيجية استخدمها المتمردون في منتصف تسعينات القرن الماضي عندما سيطروا على معظم مناطق أفغانستان إلى أن أطاح بهم الغزو الذي قادته الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.
وأفاد مصباح الذي يعرف عن نفسه على أنه مسؤول من طالبان يتولى الصحة العامة في غزنة «عندما يغادر الأميركيون فلن يتمكنوا (القوات الحكومية) من الصمود حتى لخمسة أيام».
ورافق فرانس برس في جولة قامت بها في مستشفى في منطقة أندر التي سيطر عليها المسلحون وظهرت ثقوب ناجمة عن طلقات الرصاص على جدرانها.
وقال بينما أصدر عدة تعليمات عبر جهازه اللاسلكي «عندما يمنى الأسياد بالهزيمة، لا يعود بمقدور العبيد محاربة الإمارة الإسلامية».
«الأميركيون هزموا»
وأثارت المكاسب العسكرية التي حققتها طالبان تكهنات بأنها تستعد لشن هجوم واسع النطاق على المدن الأفغانية فور مغادرة الأميركيين وحلفائهم الدوليين.
في المقابل، تصر كابول على أنها قادرة على صد طالبان، منوهة إلى عدم امتلاك الحركة الأسلحة الثقيلة وانكشافها على الضربات الجوية التي تنفذها القوات الأفغانية.
لكن المتمردين واثقون من قدرتهم على النجاح فور انسحاب الجنود الأميركيين بشكل كامل قبيل مهلة سبتمبر التي حددها الرئيس الأميركي جو بايدن.
ويؤكد قيادي طالبان في منطقة قره باغ القريبة، قاري حفيظ الله حمدان «تعلمون كما يعلم الجميع بأن الأميركيين وحلفاءهم في حلف شمال الأطلسي وإدارة كابول هزموا بنسبة 100%».
ورغم الحديث عن انتصار عسكري سريع، شدد ناطق باسم طالبان على أن القرارات المرتبطة بالمسار المستقبلي للحرب تعود في نهاية المطاف إلى قيادة الحركة.
وقال «من الطبيعي بأن يرغب القادة العسكريون باستخدام القوة». وتابع «لكن القرارات تتخذ في أعلى الهرم.. لذا فسيتم تطبيق أي قرارات تصدر عن مجلس القيادة وسيتبعها القياديون» المحليون.
وبعيدا عن الجبهة، تشرف طالبان بشكل متزايد على مشاريع مدنية تقام في الأراضي التابعة إليها.
وأدار مصباح وجنوده المستشفى التابع إليهم على مدى عامين، حيث يوزعون الأدوية إلى السكان القريبين ويعالجون المقاتلين المصابين والمدنيين على حد سواء.
ويتم عادة نقل مقاتلي طالبان المصابين من وإلى المستشفى لتجنب تعرضها لقصف جوي.
كما تستضيف المستشفى دورات إسعافات أولية تشرف عليها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تنظم دورات مشابهة للقوات الحكومية في غزنة.
وقال المقاتل في صفوف طالبان حفيظ الله «يمكننا من خلال هذا التدريب مساعدة المصابين في ساحات القتال»، في وقت أصدر أفراد طاقم اللجنة الدولية للصليب الأحمر توجيهات لمسلحين في المكان.
وتعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر عادة مع طرفي النزاع في المناطق التي تشهد أعمالا قتالية لتتمكن من الوصول إلى المدنيين.
«لا وجود للأمن هنا»
وخلال جولة قامت بها فرانس برس في مستشفى المتمردين في أندر، لم يكن هناك أي تواجد للقوات الحكومية في محيط المنشأة.
وقال مصباح إن معظم المرضى في المستشفى كانوا مدنيين أصيبوا بجروح جراء عمليات نفذتها قوات العدو، على حد تعبيره، لكنه لم يقدم الكثير من الأدلة على ذلك.
وعادة ما يبالغ عناصر طالبان والحكومة في حديثهم عن أعداد الضحايا الذين سقطوا في صفوف الجانب الآخر، بينما يتهمون بعضهم البعض بانتهاكات حقوقية تشمل استهداف المدنيين.
وشوهد عناصر طالبان بلحاهم الطويلة وعماماتهم والمسلحين برشاشات خارج المستشفى وفي المناطق الريفية في أوساط القرويين الذين كانوا يقومون بمهامهم اليومية فيما عملت النساء اللواتي ارتدين البرقع في الحقول.
وتظهر المنازل الطينية والحقول، حيث توجد بعض الألواح الشمسية لتشغيل مضخات المياه، على امتداد الطريق الوحلي الذي يربط منطقة أندر بعاصمة الولاية.
وأثار حضور طالبان المتزايد في المنطقة مخاوف من احتمال شن المتمردين هجوما داميا آخر قريبا على مدينة غزنة، كما فعلوا سنة 2018 عندما أضرموا النيران في السوق الرئيسي وقتلوا عشرات المدنيين.
وقال رجل الأعمال المحلي أحمد رحيم إن «طالبان على أطراف مدينة غزنة. لا وجود للأمن هنا».
وفيما تعج المدينة بالحياة نهارا مع أسواقها وطرقاتها المكتظة، تغلق معظم الأسواق مع غروب الشمس لتدوي أصوات إطلاق النار وقذائف الهاون في أنحاء الأرياف.
وقال القيادي حمدان «سيختبر الأفغان قريبا السعادة والحرية الكاملة».