تستضيف الصين الاجتماع الـ 15 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي خلال الفترة من 11 إلى 24 الجاري، وذلك في مدينة كونمينغ بمقاطعة يوننان جنوبي الصين، تحت موضوع «الحضارة الإيكولوجية: بناء مستقبل مشترك لجميع أنواع الحياة على الأرض».
ويجدر في هذا السياق عرض لمحات مضيئة عن التعاون الصيني - العربي في مجال مكافحة التصحر والجفاف على مدى سنوات نظرا لما تقدمه الخبرات والابتكارات، الناتجة عن انخراط الجانبين في العمل ذي الصلة، من مساهمة في الجهود الدولية لمكافحة التصحر والجفاف.
ويشارك ممثلون من الحكومات والشركات والمنظمات غير الحكومية من جميع أنحاء العالم بهذا الحدث التاريخي، باعتباره أول مؤتمر عالمي تعقده الأمم المتحدة حول موضوع الحضارة البيئية، وهي فلسفة اقترحتها الصين، سيقدم أرضية مشتركة حول «بناء مستقبل مشترك لجميع أنواع الحياة على الأرض».
ومع التمسك برؤية العيش في انسجام مع الطبيعة واسترشادا بالإطار الفلسفي لفكر الرئيس الصيني شي جين بينغ بشأن الحضارة البيئية، تتقدم الصين بخطى حثيثة نحو بناء اقتصاد أخضر مع تعزيز إدارة عادلة للتنوع البيولوجي بمشاركة جميع الأطراف..
وفيما يلي نستعرض بعضا من الجهود الصينية لمحاربة التصحر والاستدامة البيئية:
استعادة السلام مع الطبيعة
يقول الرئيس الصيني: «سنحمي النظم البيئية بالقدر نفسه الذي نحمي به أعيننا، ونعتز بها بقدر ما نعتز بحياتنا»، حيث شدد على أن نموذج التنمية المتمثل في «قتل الدجاج من أجل البيض» و«تجفيف البحيرة من أجل الأسماك» وصل إلى طريق مسدود، وسيضاء المستقبل بالتنمية الصديقة للبيئة التي تتوافق مع قواعد الطبيعة.
ولهذا، يوفر التاريخ الكثير من الدروس المستفادة، ففي التسعينيات من القرن الماضي، بدأت قرية يويتسون الجبلية في مقاطعة تشيجيانغ شرق الصين في استغلال موارد المناجم من أجل الثراء بسرعة، بيد أن الأعمال التجارية أدت إلى تلوث خطير بعد سنوات، وفي 2005، أغلقت يويتسون 3 محاجر جيرية، وتحولت تدريجيا نحو السياحة البيئية والصناعات الصديقة للبيئة.
وعندما زار الرئيس الصيني شي جين بينغ، سكرتير لجنة الحزب الشيوعي الصيني في مقاطعة تشجيانغ آنذاك، يويتسون، أخبر القرويين بأن قرارهم كان «حكيما»، مشيرا إلى أن «الجبال والأنهار الخضراء هي جبال من الفضة والذهب».
هذا المفهوم، الذي تم دمجه فيما بعد في فكر شي حول الحضارة البيئية، شجع العديد من المدن والقرى الصينية على السعي لتحقيق نمو عالي الجودة ومستدام من خلال حماية البيئة، وتطوير الصناعات الخضراء، والحفاظ على التنوع البيولوجي.
حشد توافق عالمي
في منتصف سبتمبر الماضي، دقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ناقوس الخطر بشأن السرعة غير المسبوقة لفقدان التنوع البيولوجي العالمي، وحثت على العمل المشترك للتصالح مع الطبيعة.
ولضمان توافق عالمي وترجمة الالتزامات إلى أفعال، أطلقت الصين مؤتمر كونمينغ على الرغم من وباء كوفيد-19، مما يدل على دعمها القوي لنهج متعدد الأطراف للحفاظ على التنوع البيولوجي في العالم.
وقال شي في قمة القادة حول المناخ بمناسبة يوم الأرض لهذا العام «نحن بحاجة إلى اتخاذ كل منا إجراءات أقوى، وتعزيز الشراكات والتعاون، والتعلم من بعضنا البعض، وإحراز تقدم مشترك في الرحلة الجديدة نحو حياد الكربون العالمي»، والصين دائما ما تقوم بترجمة الأقوال إلى أفعال.
وعلى مدى 4 عقود من بناء برنامج غابات حزام الوقاية الثلاثية الشمالية، والذي يغطي حوالي 42.4% من مساحة اليابسة في الصين، تمت زراعة أكثر من 7.88 ملايين هكتار من أشجار مصدات الرياح وتم استرداد أكثر من 10 ملايين هكتار من الأراضي العشبية المهجورة.
تعزيز التنمية الخضراء
لتعزيز الاستدامة البيئية لمبادرة الحزام والطريق، أطلقت الصين تحالفا دوليا للتنمية الخضراء في عام 2019، مع تكليفه بمهمة دمج التنمية المستدامة مع أولويات المبادرة، مع مشاركة أكثر من 130 شريكا.
وقال وليد جاب الله، أستاذ الاختصاصات المالية والاقتصادية بجامعة القاهرة، إن فلسفة شي ومساعي الصين البيئية ألهمت العالم، وخاصة البلدان الواقعة على طول الحزام والطريق، حيث ساعدتها الصين على التحرك نحو أهداف التنمية المستدامة الخاصة بهم.
وأفادت مريما بأن «المفهوم الصيني عن الوحدة، عن الطبيعة والإنسان، كما نأمل، سيكون مثالا جيدا للدول الأخرى لاتباعه أو الاقتداء به».
خطوات أكبر إلى الأمام
في الوقت الذي يشهد فيه العالم تغيرات عميقة لم يسبق لها مثيل منذ قرن من الزمان، تقوم الصين باتخاذ خطوات حازمة وفعالة نحو اقتصاد أخضر حقا.
وقد أدرجت حفظ التنوع البيولوجي في خططها الشاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ومن المتوقع أن يستعرض مؤتمر كونمينغ القادم «إطار التنوع البيولوجي العالمي لما بعد عام 2020» وأن يرسم مخططا للتنفيذ العالمي على مدى السنوات الـ 10 المقبلة.
في كلمته أمام الدورة الـ 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2020، قال الرئيس شي إن الصين تهدف إلى بلوغ ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل عام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني قبل عام 2060.
وفي الدورة الـ 76 للجمعية العامة الشهر الماضي، أعلن شي أن الصين ستكثف دعمها للدول النامية الأخرى لتطوير طاقة خضراء ومنخفضة الكربون، ولن تبني مشاريع طاقة جديدة تعمل بالفحم في الخارج.
تكنولوجيات وحلول واعدة
ذكر الكتاب الأبيض الصادر عن المكتب الإعلامي لمجلس الدولة الصيني في 10 يناير من هذا العام بعنوان «التعاون الإنمائي الدولي للصين في العصر الجديد»، أن الصين تشارك بصورة فاعلة في التعاون في مجال مكافحة التصحر، وتتقاسم تقنياتها وخبراتها مع البلدان الأخرى.
وسلط الكتاب الأبيض الضوء على التقنية الصينية المتمثلة في زراعة «جيونتساو».
«جيونتساو» هو نوع من الحشائش، يمكن من خلاله زراعة الأرز ونبات الفطر، ويمكن أن يستخدم كذلك في إطعام المواشي، ولا تقتصر مزايا «جيونتساو» على الجوانب الاقتصادية فحسب، وإنما تمتد أيضا إلى قدرة هذه التقنية على التكيف مع ظروف الأرض والمناخ وكذا محافظتها على التربة.
أما تكنولوجيا تحويل «الرمال إلى تربة خصبة» فهي تقنية أخرى واعدة ابتكرها فريق علمي صيني. تقوم فيها هذه التكنولوجيا بتوظيف نظرية قوة «الترابط والانجذاب في جميع الاتجاهات» بين حبيبات التربة لتحويل الصحراء إلى تربة صالحة للزراعة.
وذلك عبر إضافة مواد تماسك خاصة، مستخلصة من نبات معين، إلى الرمال، حتى تكتسب هذه الرمال قوة الترابط والانجذاب، وبالتالي تستطيع الحفاظ على المياه والعناصر الغذائية.