مدريد ـ رابعة حسين مكي الجمعة - موفدة جمعية الصحافيين الكويتية
قررت دول حلف شمال الأطلسي «الناتو» خلال قمة مهمة في مدريد امس تعزيز وجودها العسكري على أبواب روسيا وإطلاق آلية التوسيع لضم السويد وفنلندا، في خطوة اعتبرتها موسكو «عدائية» و«مزعزعة للاستقرار».
وأعلن الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ عند افتتاح النقاشات التي يشارك فيها كل قادة الحلف حتى اليوم أن الحلف «في لحظة محورية» من تاريخه.
وأشار الى ان القمة ستعتمد خريطة طريق استراتيجية جديدة للحلف بعد مراجعة تلك المعتمدة منذ 2010 للمرة الأولى، فيما ندد قادة الحلف بـ«الوحشية المروعة» التي تمارسها روسيا في أوكرانيا وتعهدوا بتقديم المزيد من الدعم لكييف.
وقال ستولتنبرغ ان «أوكرانيا يمكن أن تعتمد علينا طالما لزم الأمر».
وأكدت القمة على تعزيز الوجود العسكري على الضفة الشرقية للاطلسي مع رفع عدد القوات في حالة الجهوزية العالية الى أكثر من 300 ألف عسكري.
من جهته، قال الرئيس الأميركي جو بايدن «نحن على الموعد» و«سنثبت أن حلف الاطلسي ضروري أكثر من أي وقت مضى» معلنا عن تعزيز الوجود العسكري الأميركي برا وبحرا وجوا في كل أنحاء أوروبا وخصوصا في دول البلطيق.
واعتبر الحلفاء أن الصين تشكل «تحديا لمصالح» دول الناتو و«أمنها» في خريطة الطريق الاستراتيجية الجديدة التي اعتمدها خلال قمته في مدريد.
وأوضح الحلف في أن «طموحات الصين المعلنة وسياساتها القسرية تتحديان مصالحنا وأمننا وقيمنا»، مدينا «الشراكة الاستراتيجية» بين بكين وموسكو ضد «النظام الدولي».
وهذه المرة الأولى التي تذكر فيها هذه الوثيقة الصين التي لم تدرج تاريخيا ضمن مهمة حلف شمال الأطلسي بدوره، طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي متحدثا عبر الفيديو أمام قادة الناتو دعما إضافيا من الحلف لإفساح المجال امام كييف لمواجهة القوات الروسية.
وقال زيلينسكي «لكي نكسر هيمنة المدفعية الروسية نحن بحاجة إلى الكثير من هذه الأنظمة الحديثة من هذه المدفعية الحديثة» مشيرا الى ان كييف بحاجة الى «نحو 5 مليارات دولار شهريا» لتأمين دفاعها.
واتفق الحلفاء على حزمة مساعدات شاملة لأوكرانيا تضم اتصالات أمنية ووقودا ومعدات طبية ودروعا جسدية ومعدات لمكافحة الألغام والتهديدات الكيماوية والبيولوجية والمئات من أنظمة المضادة للطائرات المسيرة، متعهدا باستمرار الحلفاء في تقديم الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا.
وقال امين عام الحلف إنه سيتم على المدى الطويل مساعدة أوكرانيا على الانتقال من معدات العهد السوفييتي إلى معدات الناتو ودعم التوافقية وتقوية مؤسساتها الأمنية والدفاعية بشكل أكبر.
وتابع «كل هذا يظهر التزامنا بمستقبل أوكرانيا وأن التزامنا لا يتزعزع»، مضيفا أن بقاء أوكرانيا كدولة قوية ومستقلة هو أمر ضروري لاستقرار منطقة أوروبا والأطلسي.
بموازاة ذلك، اطلقت قمة مدريد عملية انضمام السويد وفنلندا اللتين قررتا الانضمام الى الحلف بعد حياد تقليدي استمر لفترة طويلة.
واتفق قادة الحلف الاطلسي على دعوة البلدين رسميا للانضمام إلى الحلف بعدما أبرمت تركيا اتفاقا مع الدولتين الاسكندنافيتين لرفع اعتراضها على عضويتيهما.
على صعيد الموقف الروسي، اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف ان قمة حلف شمال الأطلسي في مدريد تؤكد «عدائية» الحلف حيال روسيا، واصفا توسيع عضويته إلى فنلندا والسويد بأنه خطوة «مزعزعة للاستقرار الى حد كبير».
وأضاف لوكالات الأنباء الروسية أن «قمة مدريد تعزز مسار الاحتواء العدواني الذي ينتهجه الحلف حيال روسيا».
وشدد على ان موسكو ليست «خائفة» من إعلان الرئيس الأميركي تعزيز الوجود العسكري الأميركي في أوروبا، على خلفية توترات شديدة مع موسكو.
قمة تاريخية
وكان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ قـال إن القمـــــة الـ 32 للحلف هي قمة تاريخية ونقطة تحول، حيث يجتمع قادة الدول الاعضاء في الحلف في خضم أخطر أزمة أمنية نواجهها منذ الحرب العالمية الثانية، مشددا على «أن الحلفاء قادرون على إظهار الوحدة فيما بينهم».
وأضاف ستولتنبرغ، في تصريحات للصحافيين بمقر انعقاد القمة في العاصمة الإسبانية مدريد: حلف الاطلسي يستجيب بطريقة قوية وموحدة لجميع التهديدات والتحديات التي يواجهها، وهذه القمة هي «قمة تحويلية أو نوعية»، لأنها تتضمن اتخاذ قرارات تاريخية، وفي مقدمتها اعتماد مفهوم استراتيجي جديد للناتو، بما يعزز قدرته على التخطيط للمستقبل في عالم أكثر تنافسية وخطورة لحماية جميع الحلفاء وما يقارب من مليار مواطن، فضلا عن الاتفاق على تحول أساسي في مفاهيم الردع والدفاع للحلف بما في ذلك دفع المزيد من التشكيلات القتالية على حدود الدول الأعضاء، ومع المزيد من دعم القوات عالية الجاهزية والمزيد من الآليات الموجودة مسبقا.
وأشار أمين عام «الناتو» إلى أن ما يتم الاتفاق عليه خلال قمة مدريد هو أكبر إصلاح شامل لمنظومة الدفاع الجماعي للحلف منذ نهاية الحرب الباردة عام 1991.
واشار الى ان قمة قادة «الناتو» تتضمن كذلك اتخاذ قرار تاريخي بدعوة كل من فنلندا والسويد للانضمام إلى عضوية الحلف، وذلك استنادا إلى الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين البلدين وتركيا أول من أمس، فضلا عن العديد من القرارات الأخرى المتعلقة بتغير المناخ، والامن السيبراني، وغيرهما.
وعن المفهوم الاستراتجي الجديد، قال ستولتنبرغ إن هذا المفهوم يعكس طبيعة التحولات التي يشهدها العالم الآن والذي أصبح مختلفا تماما مقارنة بما كان عليه عام 2010 حين تم اعتماد المفهوم الاستراتيجي الحالي خلال قمة الحلف آنذاك في لشبونة.
وتابع «كنت حينئذ رئيسا لوزراء النرويج، حيث اتفق الحلفاء على اعتبار روسيا شريكا استراتيجيا للناتو وعقدنا اجتماعات معها خلال تلك القمة. لكن بالطبع، لن يكون هذا هو الحال الآن.
إذ إن اعتماد قادة الحلف للمفهوم الاستراتيجي الجديد خلال قمة مدريد الراهنة، يتضمن الإعلان بوضوح أن روسيا تشكل تهديدا مباشرا لأمن حلف شمال الاطلسي ودوله، وبالطبع سينعكس ذلك في جميع أنحاء المفهوم الاستراتيجي.
كما ان القرارات الأخرى المتخذة لزيادة الاستثمار وتطوير وتعزيز الدفاع الجماعي والردع الدفاعي كل ذلك سيعكس المفهوم الاستراتيجي بما يعنيه ايضا من واقع جديد».
وردا على سؤال حول عن الـ 300 ألف جندي الذين اعلن الحلف عن وضعهم في حالة تأهب قصوى، ومن أين سيتم تأمينهم، قال أمين عام الحلف: عندما يتعلق الأمر بقوات الجهوزية المتزايدة، أتوقع أن تكون جاهزة بحلول العام المقبل.
سنتخذ القرار في الوقت الراهن وبعد ذلك سنبدأ في التنفيذ، تلك هي الخطة.
ونحن بحاجة إلى أن نفهم وضعية هذه القوات حيث سيتم دفع رواتبها وتنظيمها من قبل مختلف دول الحلف، وسيكون مقرهم في بلدانهم الأصلية ولكن سيتم تحديد مناطق عملهم بشكل مسبق وستكون مسؤوليتهم حماية هذه المناطق، مشيرا الى ان تلك التشكيلات الجديدة ستعزز المجموعات القتالية الموجودة بالفعل للناتو، حيث ستكون لدينا قوات محددة مسبقا يمكن نشرها بسرعة في مناطق محددة وقت الضرورة.
حلف الأطلسي والشرق الأوسط
من جهته، وصف الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والأمنية في «الناتو» خافيير كولومينا القمة الحالية للحلف بالتاريخية، وأوضح في مؤتمر صحافي ان القمة هدفت إلى إحراز تقدم في عضوية السويد وفنلندا، والتهديدات والتحديات في جنوب الحلف، وإعادة الالتزام بمكافحة الإرهاب.
وأضاف: نحن نواجه بيئة أمنية معقدة، وظهور حالات العنف الخارجية، والهجرة، والأمن الغذائي، كلها تمثل تحديات معقدة يجب أن يكون الناتو قادرا على معالجة أي تهديد وتقديم استجابات له في أي وقت.
واشار خافيير كولومينا إلى ان «شركاء الحلف الاطلسي في الشرق الاوسط وشمال افريقيا يساعدوننا على فهم المنطقة بشكل أفضل، ولهذا السبب نريد الاستماع إلى آرائهم وكيف يمكننا مواجهة التحديات الأمنية معا، لتكريس استجابتهم للتحديات الأمنية والتدريب ونرفع مستوى مشاركتنا معا».
وأكد ان الحلف يتابع عن كثب ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لما لها من تأثير قوي على أمن الناتو واعضائه.