«لسنا في الشرق ولا في الغرب»، ذلك هو شعار الرئيس التركي رجب طيب اردوغان منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، وفق سياسة دقيقة بين حليفتيه كييڤ وموسكو، مكنته من تحقيق عدد من الإنجازات الديبلوماسية الكبرى.
وأعلنت أوكرانيا أمس أنها أفرجت عن 55 أسير حرب مقابل إفراج روسيا عن 215 أسيرا منهم قادة قوات الدفاع عن مصنع آزوفستال للصلب في ماريوبول والذي أصبح رمزا لمقاومة الغزو الروسي.
وأوضح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه في إطار عملية التبادل هذه التي «استغرق الإعداد لها فترة طويلة»، أطلقت موسكو سراح قادة عسكريين نقلوا إلى تركيا.
وفي إشارة إلى الدور الأساسي الذي لعبته أنقرة في الكواليس في هذه العملية، كان الرئيس التركي أول من تحدث عن اقتراب حصول تبادل الأسرى، خلال مقابلة تلفزيونية الاثنين الماضي مع قناة «بي بي اس» الأميركية.
وقال السفير الأوكراني لدى أنقرة فاسيل بودنار «حرر ابطالنا، أصبح كل ذلك ممكنا بفضل الاتفاقات بين الرئيس زيلينسكي والرئيس اردوغان».
ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير 2022، تمكنت تركيا من جمع ممثلين عن روسيا وعن أوكرانيا مرتين على أراضيها.
ففي يوليو الماضي، لعبت أنقرة دورا رئيسيا في إبرام اتفاق بين كييڤ وموسكو، برعاية الأمم المتحدة، يسمح باستئناف تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود ومضيق البوسفور.
وفي مطلع الشهر الجاري، عرض اردوغان على موسكو وساطته للمساعدة في حل الأزمة حول محطة الطاقة النووية الأوكرانية في زابوريجيا.
وكان السفير الفرنسي السابق لدى الولايات المتحدة ولدى الأمم المتحدة جيرار أرو قد كتب على تويتر في نهاية أغسطس الماضي «لم ترتكب الديبلوماسية التركية أي خطأ منذ بداية الحرب في أوكرانيا، من ناحية تقدير مصالحها والموازنة بين المتحاربين والحزم إذا لزم الأمر مع الاستفادة من الظروف القائمة».
وحتى مع تزويد أنقرة كييڤ مسيرات عسكرية، رفضت الحكومة التركية الانضمام إلى معسكر الدول الغربية التي تفرض عقوبات على موسكو.
وواصلت تركيا المطلة على البحر الأسود والعضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) عملها على تحقيق توازن في الأسابيع الأخيرة.
وكان اردوغان الذي التقى نظيره الروسي ڤلاديمير بوتين ثلاث مرات في الأشهر الثلاثة الأخيرة والذي يتحدث بانتظام مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قد اتهم الغربيين في بداية الشهر الجاري بارتكاب «استفزازات» بحق موسكو.
لكن وزارة الخارجية التركية نددت بمخطط روسيا «غير الشرعي» لإجراء استفتاء يهدف الى ضم أربع مناطق أوكرانية تحتلها القوات الروسية.
وقال جيرار أرو «إن تركيا قوة إقليمية، تعرضها جغرافيتها بقدر ما تمنحها وسائل للضغط على الجهات الفاعلة. ويحتاجها المتحاربان وبالتالي يراعيانها».
وليست المرة الأولى التي تحاول فيها تركيا لعب دور الوسيط. ففي مطلع القرن الحادي والعشرين، نشرت أنقرة «ديبلوماسية السلام» في الشرق الأوسط، في محاولة خاصة لرعاية المفاوضات بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية.
واعتبارا من العام 2009، لعبت أنقرة أيضا دور الوسيط في الملف النووي الايراني.
وقال سونر كاغابتاي، الزميل الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في بحث صدر في مطلع الشهر الجاري «رغم دعمه العسكري لأوكرانيا، للرئيس اردوغان أسباب سياسية واقتصادية أساسية للحفاظ على علاقات جيدة مع موسكو»، واعتبر كاغابتاي أن أنقرة «حيادية مؤيدة لأوكرانيا».
وكون تركيا تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز الروسيين، لدى الرئيس التركي كل الأسباب التي تجعله يريد مراعاة موسكو، على بعد تسعة أشهر من الانتخابات الرئاسية والتشريعية في يونيو 2023 في تركيا.
وحتى ذلك الحين، سيسعى اردوغان أيضا إلى عدم إثارة غضب حلفائه الغربيين، خصوصا أن واشنطن حذرت، نهاية أغسطس الماضي، الشركات التركية التي تتعامل مع روسيا من إجراءات انتقامية محتملة.
وفي مقابلة له مع شبكة «بي بي اس»، لخص اردوغان مؤخرا موقفه بالقول «أقول ذلك بوضوح: نحن جزء من هذا العالم، لكن لسنا في الشرق ولا في الغرب».