يعزو المراقبون انحسار العنف في العراق، خلال الأشهر الأخيرة، إلى ثلاثة تطورات هامة، ويؤكدون في الوقت نفسه ان الزمن ليس في مصلحة أي منها. ويصف برهام صالح، نائب رئيس الوزراء الذي ينتمي إلى الطائفة الكردية الوضع الحالي بالقول: إنه أقرب إلى حالة وقف إطلاق للنار من حالة سلام، وهو كلام تكرر على لسان قاسم داود، العضو الشيعي في مجلس النواب.
ويرى المراقبون أن سبب الهدوء النسبي الحالي يعود بشكل خاص إلى ازدياد عدد المتمردين من السنة العرب الذين وجهوا أسلحتهم ضد المجموعات الجهادية عوضا عن توجيهها ضد القوات الأميركية، وإيقاف العمليات العسكرية لمدة ستة أشهر من جانب ميليشيا أقوى زعماء الشيعة، وهو مقتدى الصدر، وارتفاع عدد القوات الأميركية المنتشرة في الشوارع. ويؤكد كل المحللين أن جميع العناصر السابقة يمكن أن تتبدل، وخلال فترة قصيرة نسبيا، لاسيما أن الأميركيين شرعوا في تخفيض عدد القوات، فيما أطلق مقتدى الصدر عددا من التصريحات النارية خلال الفترة الأخيرة.
ومع أن المتمردين من السنة الذين انقلبوا على الجهاديين يتوقعون أن يكافأوا بوظائف حكومية، فإنه لم يحظ بوظائف في سلك قوات الأمن العراقية من 77000 متطوع سني سوى 5% فقط، فيما اتسمت العملية البيروقراطية بالبطء الشديد، على الرغم من تعهدات الحكومة بتوظيف أكبر عدد ممكن من سنة العراق.
ويقول جوست هيتلرمان، محلل الشؤون العراقية لدى مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة للأبحاث تتخذ من العاصمة البلجيكية بروكسل مقرا لها: نحن في حالة انتظار، إذ يبدو أن الحل العسكري قاد إلى حالة من السلام تكفي للاستمرار على نفس المنوال الحالي حتى نهاية الانتخابات الأميركية، ولكن الوضع على كل حال في منتهى الهشاشة، لاسيما أن أيا من اللاعبين الذين يمارسون العنف لم يتعرض للهزيمة، وأن الجذور السياسية للنزاع لم يشرع، مجرد شروع، في معالجتها.
وقد قال القادة الأميركيون كلاما مشابها مفاده أن مكاسبهم العسكرية لم تعد تجدي بدون التوصل إلى حل ديبلوماسي، فالقضايا الأساسية مازالت تتركز حول كيفية الحيلولة دون انضمام السنة مرة أخرى إلى صف المتمردين، وكيفية منع الميليشيا الشيعية من العودة إلى ممارسة العنف.
ويبدو أن مقتدى الصدر استطاع أن يسحب ميليشياته من ساحة المعركة لأنها لم تعد تتعرض لهجمات المتمردين السنة، ولكن إذا لم يتم ضم الغالبية العظمى من أفراد الطائفة السنية إلى هياكل الحكم التي تسيطر عليها غالبية شيعية، فإن من المحتمل عندئذ أن تطفو الخلافات القديمة على السطح مرة أخرى، في نفس الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بتخفيض عدد قواتها. وفي حال حدوث ذلك سيجدد المتطرفون السنة هجماتهم على الشيعة، كما ستقوم ميليشيا مقتدى الصدر بالرد على الهجمات بالمثل.
ويعتقد طارق الهاشمي، أحد نائبي الرئيس العراقي، وينتمي إلى طائفة السنة، أن أمام الحكومة مساحة زمنية محدودة لإعادة دمج متمردي السنة السابقين، مشيرا إلى أن هؤلاء الأشخاص يتطلعون الى الفوز، ليس بالوظائف فقط بل ومشاعر الاحترام من قبل الآخرين، إضافة إلى ضمانات بعدم ملاحقتهم جراء تعاونهم السابق مع المتمردين، وهو تنازل لم تبد الحكومة أي مؤشرات واضحة على أنها تعتزم تنفيذه.
ويؤكد الهاشمي، من جهة أخرى، أن انقلاب مجموعات من السنة على منظمة «قاعدة بلاد الرافدين»، وهي منظمة تضم في معظمها مجموعات متمردة محلية ولكنها تخضع لقيادات تعتقد الولايات المتحدة أنها أجنبية، هذا الانقلاب قاد إلى مستوى غير مسبوق من الاستقرار ما كانت الحكومة العراقية لتتمكن من تحقيقه بمفردها، ولا شك في أن الحكومة سترتكب خطأ فادحا بعدم مكافأة المجموعات السنية. ويضيف الهاشمي بالقول إن محاربة القاعدة بقوات تقليدية وأميركية فشلت على مدى أربعة أعوام في السيطرة على المناطق المتوترة، واليوم، وبعد أن تمت السيطرة على تلك المناطق، يحاول البعض إجهاض هذه التجربة الفريدة. واستطرد قائلا: إن أكثر ما أخشاه هو أن تتعرض تلك المجموعات المحلية للإحباط جراء عدم مكافأتها بضمها إلى قوات الأمن ودفع رواتب لها، ومن ثم قد تعمد إلى تبديل موقفها مرة أخرى، وعلى الحكومة أن تتوقع أي شيء.
ونظرا لكون الهجمات الشرسة للمتمردين السنة ضد الشيعة لاتزال ماثلة في الأذهان، فقد رفضت الحكومة ضم متطوعي السنة إلى قوات الأمن، لأن ذلك سيمنحهم حرية الوصول إلى أسلحة أكثر فتكا، كما سيجعل التجمات الشيعية مكشوفة أمامهم.
إن مجرد السير في الضواحي التي تنشط فيها مجموعات متطوعي السنة يمثل حتى اليوم تجربة غير مريحة، فهناك مجموعات مسلحة من الشبان تحرس زاويا الشوارع، بينما تتجول مجموعات أخرى في شاحنات مكشوفة، ويلبس معظم أفرادها بزات مموهة تجعل من الصعب تحديد الجهة التي يعملون لمصلحتها، ثم إن قادة تلك المجموعات الذين يعملون ضمن مجالس تعرف عادة باسم «مجالس الصحوة» يواربون في الإجابة عندما يسألون عما سيفعلونه في حال عدم حصولهم على الوظائف الحكومية التي يتوقعونها.
ويحصل معظم أفراد تلك المجموعات على مبلغ 10 دولارات يوميا من القوات العسكرية الأميركية، بانتظار أن تقبلهم الحكومة في النهاية في سلك الأمن العراقي أو في وظائف حكومية أخرى، وهما أمران يبدو أنهما غير محتملين خلال المستقبل القريب. أما بالنسبة لمقتدى الصدر فإن طريقة عمله تختلف عن غيره، على اعتبار أنه يلعب دورين مختلفين في الشارع العراقي، فهو يحارب السنة الذين يعتقد أنهم يهاجمون طائفته، مثيرا أثناء ذلك مزيدا من العنف الطائفي الوحشي، ويحارب أيضا المجموعة الشيعية المناوئة له، المجلس العراقي الإسلامي الأعلى، والتي ينتمي عدد كبير من أفرادها إلى قوات الأمن الحكومية. ومع أن هدوء مجموعة الصدر خفف من حدة المواجهة على الجبهتين، فإن ذلك لا يعني أن تلك المواجهة توقفت إلى الأبد.
والحقيقة أن الصدريين لم يتخذوا موقفا عدائيا تجاه أي طرف كان منذ مطلع العام الحالي، بحسب قول المحلل هيتلرمان، واكتفوا بموقف «لن نهاجم إلا إذا تعرضنا للهجوم»، ولكن ذلك لا يعني أن الجماعة لم يعد لها وجود في الشارع العراقي.
وعلى الرغم من توقف الميليشيات الصدرية عن العمل، فإن مقتدى الصدر مازال يعمل على تحقيق هدفين لم يتحققا له حتى الآن: تعزيز بغداد كمدينة شيعية، وبسط سلطته على المجلس الأعلى. ولذلك فإن النزاع الحقيقي على المدى الطويل، سيكون - بحسب قول هيتلرمان - بين الحركة الصدرية الشيعية والمجلس الأعلى الذي يعرف عنه أنه مجهز ومدرب وممول بشكل جيد . وهذا الصراع مازال يستجمع عناصر اندلاعه.
عن نيويورك تايمز
صفحة قضايا في ملف ( pdf )