حين دخلت حافلة الحملة الانتخابية لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى مدينة ازمير معقل خصومه السياسيين نظر إلى أعلى ليرى امرأة تشير إليه من شرفة بإشارة اعتبرها بذيئة.
وسرعان ما طرق ضباط شرطة في ملابس مدنية بابها.
إن رئيس الوزراء رجل متقد الحماس سريع الغضب يشعر بأنه محاصر من عدو غير ظاهر.
ويقول منتقدون إن المجموعة القريبة منه تقلصت بينما يستعد لما قد يصبح صراعا داخليا لاستعادة السيطرة على مقاليد سلطة الدولة التي يقول إن شبكة سرية من الخونة تتولاها.
وقال مسؤول حكومي طلب عدم نشر اسمه «السبب الرئيسي لغضب أردوغان الآن هو إحساسه بأنه خدع، يأخذ هذه المسألة على محمل شخصي جدا».
وتلقى اردوغان دفعة بعد فوز حزبه العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية التي جرت الأحد وقد عقد العزم فيما يبدو على تصحيح ما يعتبره خطأ كبيرا ارتكبه في الأيام الأولى لحكمه في 2002 عندما طلب من رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن توفير الكوادر المدربة في الشرطة والقضاء التي كان يحتاجها لتقليص نفوذ الجيش على الساحة السياسة.
ونفذ غولن الذي قضى عقودا من الزمان يعلم أتباعه في عدد من المدارس ما طلب منه على أكمل وجه.
والآن يتهم أردوغان حركة غولن المعروفة باسم «خدمة» بأنها تقف وراء اغتصاب شامل لأدوات سلطة الدولة في الشرطة والقضاء ضمن حملة للابتزاز والتشهير تشمل مزاعم فساد واختراقات أمنية تستهدف تشويه سمعته.
وأبعد رئيس الوزراء أكثر من 7 آلاف من رجال الشرطة ومئات من ممثلي الادعاء.
وينفي غولن الذي لم يدل بكثير من التصريحات تعمده إلحاق أي أذى بأردوغان، ويشير إلى أن رئيس الوزراء إنما يستسلم فحسب إلى ميوله السلطوية.
لقد شهدت 12 سنة قضاها في الحكم ارتفاعا في مستوى المعيشة وتحسنا كبيرا في المناطق الريفية المحافظة.
لكن منتقدين يتهمون أردوغان الذي قد يترشح للرئاسة في أغسطس باستخدام صراعه على السلطة مع «خدمة» كستار لترسيخ صلاحياته التي يصفونها بالدكتاتورية ليصنع جهازا حكوميا داخليا يقوم على الولاءات الشخصية الوثيقة.
ويقولون إن الإدارة العقيمة قد تعرض للخطر وحدة بلد تكثر فيه الانتماءات العرقية والدينية والاجتماعية.
ولطالما نظر الغرب لتركيا تحت حكم اردوغان على أنها مثال مهم لدولة ديموقراطية يغلب على سكانها المسلمون على مشارف منطقة الشرق الأوسط المضطربة. لكن العام الماضي الذي شهد أيضا حملة قاسية على الاحتجاجات أثارت شكوكا بشأن الاستقرار السياسي واستمرارية الانتعاش الاقتصادي.
يرفض مسؤولون حكوميون الكشف عن أسمائهم عند مناقشة ما أصبحت أزمة أمن قومي خطيرة بعد أن نشر مجهول على موقع يوتيوب تسجيلا لرئيس جهاز المخابرات التركي يبحث فيه تدخلا محتملا في سورية.
وقال مصدر مقرب من الحكومة «السؤال هو ما إذا كان قد فات الأوان. عندما يضع أشخاصا جددا في الشرطة على سبيل المثال فهل يستطيع التأكد من أن ولاءهم ليس لغولن؟ لا».
ونبه أردوغان الى أنه يعتزم ملاحقة من هم وراء التسريبات بالإضافة إلى الصحافيين الذين يعتقد أنهم يدعمون غولن.
ويتوقع أردوغان مساندة الشعب بما في ذلك 54% لم يصوتوا لحزبه العدالة والتنمية الأحد.
لكنه يظل رافضا لأحزاب المعارضة التي يصفها بأنها تشكل تحالفا للشر بالتعاون الوثيق مع حركة خدمة.
وقال في تجمع انتخابي إن سلوك المرأة التي كانت في الشرفة يعبر عن حزب الشعب الجمهوري المعارض.
وقال: «اليوم في طريقي الى هنا (كانت هناك) امرأة في شرفة. أشارت إليّ بإشارة بذيئة بيدها.. هذا هو حزب الشعب الجمهوري.
أعني أن رئيس وزراء البلاد يمر وأنت تأتين بهذه الإشارة بيدك وذراعك».
واحتجزت المرأة في مركز للشرطة حتى منتصف الليل وقالت إنها كانت تلوح لصديقة واستجوبت للاشتباه بارتكابها جريمة إهانة مسؤول رفيع. وأطلق سراحها فيما بعد.
لكن الرسالة كانت واضحة لمن قد يسعون إلى تحدي سلطة رئيس الوزراء سواء كانوا معارضين برلمانيين أو ما يصفها أردوغان «بالدولة الموازية» لأتباع غولن.
ويرى فاروق لوج أوغلو عضو البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري تشرذم المجتمع وجهاز الدولة. وقال: «المؤسسات الديموقراطية لم تعد ديموقراطية والمؤسسات المهنية لم تعد مهنية. ما لدينا هو ثلاث دول. الأولى ما قد نصفها بالدولة التركية الحقيقية والثانية يمكن القول إنها الدولة الموازية لأتباع غولن».
ويقول إن الثالثة هي حزب العدالة والتنمية أو دولة أردوغان.