عشية وصوله الى المنطقة أطلق الرئيس الاميركي باراك أوباما تصريحات غير مألوفة في القاموس الاميركي حيال اسرائيل أكد فيها ضرورة اعتماد بعض الحزم حيال اسرائيل بشأن قيام دولة فلسطينية والاستيطان في الأراضي الفلسطينية، مبررا هذا الحزم بأن الاتجاه العام في المنطقة «سلبي للغاية» بالنسبة للمصالح الاميركية والاسرائيلية.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إن توترا شديدا يسود العلاقة بين واشنطن وتل أبيب على خلفية مطالب الإدارة الأميركية الملحة بوقف البناء الاستيطاني. إذ أصيب الإسرائيليون بالذهول من إصرار إدارة الرئيس باراك أوباما على وقف الاستيطان، وخلق ذلك قلقا إسرائيليا متصاعدا، وعزز من هذا القلق فشل جولة المحادثات الأخيرة، مع المبعوث الأميركي جورج ميتشل في لندن، حيث حاول الإسرائيليون التوصل إلى اتفاق مع الأميركيين يتيح الاستمرار في تطبيق التفاهمات التي توصلت إليها إسرائيل في السابق مع إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش، والاستمرار في البناء الاستيطاني في التكتلات الاستيطانية التي تخطط إسرائيل لضمها.
ونقلت «هآرتس» بعض ما دار خلف الكواليس قائلة: إن الوفد الإسرائيلي أصيب بالذهول من الموقف الأميركي المتشدد ومن حديث ميتشل وطاقمه، خصوصا إزاء رفضهم قبول التفاهمات مع الإدارة الأميركية السابقة ـ بما فيها رسالة الضمانات من بوش الى شارون عام 2004 ـ وزعم الممثلون الإسرائيليون أن مطلب الولايات المتحدة غير منصف وغير تبادلي، وطالبوا بتطبيق تقرير تينيت الذي يلزم الفلسطينيين بتفكيك البنى التحتية «للإرهاب». وقال الطاقم الإسرائيلي، إن «مطلب تجميد الاستيطان بشكل تام غير إنساني، وغير عملي، ولن يمر في المحكمة العليا».وحسب الصحيفة، وصل الخلافات في الرأي إلى الذروة حينما تحدث الإسرائيليون عن تفكيك المستوطنات في قطاع غزة، وقالوا «أخلينا 8000 مستوطن بمبادرتنا»، فكان رد ميتشل، «حسنا، سجلنا هذا». وفي ضوء هذا التعقيد في العلاقات مع الولايات المتحدة، يأملون في تل أبيب أن تتفهم واشنطن محدودية نتنياهو السياسية، وأن المواجهة لن تعود بأي نتيجة.ازاء ذلك، توجه وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك إلى واشنطن في محاولة لإقناع الأميركيين بوجهة النظر الإسرائيلية في الموضوع الايراني والقضايا العسكرية والأمنية العليا بين الدولتين وفي الشرق الأوسط عموما، وأشارت «هآرتس» إلى أن موضوع المستوطنات سيكون موضوعا مركزيا في مباحثات باراك مع المسؤولين الأميركيين. ويريد الإسرائيليون أمام الضغط الأميركي، إخلاء البؤر الاستيطانية التي تعهدت إسرائيل بإخلائها، على أمل أن يكون ذلك كافيا للأميركيين ويمنع مواجهة في المسألة ذات الخلاف، لكن الأميركيين يصرون على وقف البناء في كل المستوطنات.في المقابل، نقلت صحيفة «هآرتس» عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إدارة بوش لم تبلغ الإدارة الحالية بالتفاهمات الشفوية مع إسرائيل في قضية الاستيطان، وأضافوا مستغربين «يريد الإسرائيليون أن نلتزم بتفاهمات شفوية لم نسمع عنها أبدا، لكنهم ليسوا مستعدين للالتزام باتفاقات خطية وقعت عليها حكومة إسرائيل، مثل خارطة الطريق». وأضافت الصحيفة أن ميتشل كان رد على أعضاء وفد نتنياهو الذين طالبوه باحترام رسالة الضمانات بالقول إن «الرسالة تتحدث أيضا عن حل الدولتين للشعبين، فهل توافقون على ذلك؟».
وفيما أدرج مسؤول سياسي كبير الموقف الأميركي الحازم الذي تبديه واشنطن تجاه إسرائيل في مسألة المستوطنات في إطار «مسعى واشنطن إلى التدخل في الشؤون الداخلية لإسرائيل وإرغامها على تغيير ائتلافها الحكومي اليميني الحالي بضم حزب كاديما المعارض إلى الحكومة»، اتهم نواب من «كاديما» الحكومة الإسرائيلية بتدهور العلاقات مع واشنطن في شكل خطير للغاية «جراء تعنتها السياسي»، محذرين من أن هذا التعنت «سيوصل حتما إلى مسار تصادمي مع واشنطن».
من جهة أخرى، تحتار القيادة الإسرائيلية فيما بينها حول ما إذا كان ينبغي قيام صلة بين موضوعي إيران والمستوطنات عند الحديث مع الإدارة الأميركية، وقد تنامت هذه الحيرة أساسا في الوقت الذي تحاول فيه إسرائيل استغلال التجارب النووية والصاروخية الكورية الشمالية في الضغط على إيران، وبدا أن القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية تصعد من نبرة التهديدات التي تطلقها في اتجاه إيران.
ورأى المعلقون الإسرائيليون أن خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أمام كتلة الليكود في الكنيست، التي ألمح فيها إلى رغبته في إزالة بؤر استيطانية لتسهيل العلاقات مع الإدارة الأميركية، يعني قبوله بمعادلة «يتسهار في مقابل نتانز». وأشار شمعون شيفر في صحيفة «يديعوت أحرنوت» إلى أن نتنياهو استوعب الأمر وقبل بالضغوط الأميركية. كما أن مايا بنغل في صحيفة «معاريف» أشارت إلى أنه «بعد اسبوع من عودة نتنياهو من واشنطن، بدأت ثمار الضغط الاميركي على اسرائيل في الظهور».
لكن اسرائيل ترفض الربط بين إزالة البؤر الاستيطانية والموقف من المشروع النووي الإيراني، وتعتبر إنه «ينبغي العثور على سبيل للتوضيح للأميركيين أنه لا صلة بين إزالة البؤر الاستيطانية ووقف المشروع النووي الإيراني. ولن تتخلى إيران عن طموحها النووي في اللحظة التي نزيل فيها آخر البؤر الاستيطانية. لذلك فإن الأمرين ينبغي ألا يرتبطا ببعضهما بشكل مباشر. وإيران لا تشكل خطرا على إسرائيل وحسب. فهي تهدد استقرار المنطقة بأسرها، وكذلك الكثير من الدول الأوروبية والإسلامية. ودول العالم الحر، كذلك الجهات المعتدلة في المنطقة وإسرائيل، متفقة إزاء التهديدات في المنطقة، إيران تواصل مشروعها، وامتلاك إيران لسلاح نووي يمكن أن يزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط بأسره. هناك حوار بين أميركا وإيران، نشك في أنه سينجح، رغم أنه من ناحيتنا السبيل المفضل لوقف المشروع، إيران التحدي الأكبر والأهم، ودول المنطقة ترى في إيران مشكلة أكبر من إسرائيل، وهناك تعاون بين اسرائيل وبين الدول المعتدلة (العربية). وهذه الدول ترى في إسرائيل شريكا أكثر مما تراها عدوا في المسألة الإيرانية».وكان المراسل السياسي لصحيفة «هآرتس» ألوف بن قد كتب أن نتنياهو خرج عن «عقيدة شارون» التي ترى أنه محظور على إسرائيل أن تترأس الصراع ضد إيران. وأشار على وجه الخصوص الى تصريح نتنياهو الذي قال فيه «اذا لم نقد نحن الدفاع ضد الخطر (الايراني)، ونربط الولايات المتحدة ودول العالم به، فإن احدا لن يفعل ذلك». وبعد أن يشدد على الخلافات بين نتنياهو والرئيس الاميركي باراك أوباما ينقل بن عن شخصية أميركية رفيعة المستوى تقديرها أن أوباما «لن يفعل شيئا ضد الإيرانيين (إلا إذا حصل أمر شاذ وغير متوقع)، وهذا يضع حكومة نتنياهو أمام القرار أن تهاجم أو لا المنشآت النووية الإيرانية».