مدينة الرمادي هي مركز محافظة «الأنبار» في العراق التي تتمتع بأهمية استراتيجية بمساحتها الشاسعة وترامي أطرافها التي تحد ثلاث دول عربية هي: سورية والأردن والسعودية، هذه المدينة (الرمادي) سقطت بالكامل في يد تنظيم «داعش» وتكرر فيها السيناريو نفسه الذي حدث في مدينة الموصل الصيف الماضي وكان سقوطها شرارة انهيار الجيش العراقي وخروج «المارد الداعشي» من القمقم وبدء مرحلة جديدة في العراق والمنطقة.
في أسباب سقوط الرمادي والعوامل التي أدت الى هذا السقوط السريع والمفاجئ يقول خبراء عسكريون عراقيون: إن سقوط الرمادي كان مثل سقوط الموصل نتيجة تخاذل وتآمر وخداع ومباغتة ميدانية حيث تم تحقيق قوة صدمة ورعب بسلسلة هجمات انتحارية بمركبات مصفحة على المجمع الحكومي في المدينة ومواقع أخرى كانت تمثل حلقات الدفاع المركزية عن المدينة.
والمستغرب أن يغادر قائد الشرطة المدينة قبل يومين من سقوطها متوجها الى أربيل هو وعدد من شيوخ العشائر وكبار مسؤولي المحافظة الإداريين. وتضيف هذه الأوساط أن مجلس محافظة الأنبار رفض دخول قوات «الحشد الشعبي» (الشيعي) الى المحافظة (السنية) للقتال الى جانب الجيش الذي لا يملك القدرة على الحسم من دون معاونة قوات ضاربة.
وكانت النتيجة أن معركة الرمادي كشفت عن نقص في السيطرة والتخطيط والروح القتالية، وتذبذبا في أداء الجيش العراقي وعدم قدرة العشائر السنية في الأنبار على مقاتلة «داعش» من دون سلاح. وبالإجمال هناك ضعف في منظومة القيادة والسيطرة في المؤسسة العسكرية العراقية، وهو ما يؤدي في الغالب الى عدم التنسيق ويخلق فراغا ويؤثر على الروح القتالية، وكل هذا سببه عدم وجود استراتيجية لدى القيادة العسكرية. أيا تكن الأسباب، النتيجة هي «سقوط الرمادي» في يد «داعش» وخروجها عن سيطرة الحكومة العراقية.
وهذا التطور يعني:
1 - إعادة خلط الأوراق على صعيد الاستراتيجية التي كانت متبعة لتحرير «الأنبار» وصولا الى الموصل مرورا بما تبقى من محافظة صلاح الدين التي تربط بين أربع محافظات هي: بغداد وكركوك وديالى ونينوى.
2 - انتكاسة قوية لرئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يتحمل المسؤولية السياسية لسقوط الرمادي بسبب سوء تقدير من قبله. إضافة الى الضربة القاسية التي تعرضت لها استراتيجية العبادي الساعي الى بناء قوة مختلطة مذهبيا لمواجهة «داعش» والمراهن على تشكيلات من أبناء العشائر السنية المناهضة لهذا التنظيم.
إذا كان سقوط الموصل أسقط نوري المالكي الذي مازال له دور ونفوذ من وراء الستار، فإنه من المبكر والسابق لأوانه القول إن سقوط الرمادي سيسقط حيدر العبادي لأن الوضع متقلب واستعادة المدينة مازال أمرا ممكنا ومحتملا.
3 - أكدت عملية الرمادي أن تنظيم «داعش» مازال يحتفظ بقوة وقدرات هجومية، خصوصا وأن التقدم في العراق (الرمادي) واكبه تقدم في سورية (تدمر). ما يعني أن استراتيجية التحالف الدولي في محاربة «داعش» لم تؤت ثمارها وتعاني من فجوات أبرزها في العراق ضعف الجيش العراقي وعدم انخراط العشائر السنية في القتال.
4 - أظهرت مجريات المعركة على الأرض في «الأنبار» أن إيران وحدها ليست قادرة على الحسم العسكري من دون مساندة أميركية (جوية واستخباراتية)، وهذا ما أظهرته معركة تحرير تكريت. كما أظهرت أن الجيش العراقي وحده ليس قادرا على الصمود من دون مساندة الحشد الشعبي الذي تدعمه وتديره إيران، والذي يثير تحفظات وهواجس سنية.
5 - إصابة الجيش العراقي بانتكاسة جديدة يمكن أن يدرج في سياق عملية ممنهجة لإضعافه وتصويره أو جعله غير قادر على السيطرة على الوضع. وهو ما يصب في خدمة مشروع آخر يقوم على تقوية وتغذية وتبرير قيام المكونات الطائفية على المستويين السياسي والعسكري وفي الاتجاه الذي رسمه الأميركيون وأعلنوه في أشكال وأوقات متعددة: عراق يتقاسمه النفوذان الأميركي والإيراني يتوزع بين ثلاثة أقاليم (جنوب شيعي وشمال كردي ووسط سني) وثلاثة جيوش طائفية عرقية (الحشد الشعبي، البشمركة، والدفاع الوطني).