وسط انقسامات شديدة حول السياسة المتعلقة بقضايا المنطقة لاسيما ملفي ايران والقضية الفلسطينية، حاولت واشنطن حشد حلفائها من نحو 60 دولة في مؤتمر «تشجيع السلام والاستقرار في الشرق الأوسط» الذي انطلق في وارسو أمس، لكن انخفاض مستوى تمثيل شركائها الأوروبيين، عزز الانطباع بعمق الهوة بين ضفتي المحيط الأطلسي حول مجمل الملفات.
ناهيك عن مقاطعة كل من روسيا وتركيا الدولتين الفاعلتين في معظم الملفات الاقليمية.
وهيمنت على المؤتمر في يومه الأول أمس اتهامات للادارة الأميركية بمحاولة فرض اجندتها وآرائها ان كان لجهة زيادة الضغط على إيران ومحاولة «خنق اقتصادها» كما يسعى الرئيس دونالد ترامب، أو لجهة تسويق ما يعرف بـ«صفقة القرن» حول القضية الفلسطينية التي يروج لها مستشار الرئيس وصهره جاريد كوشنر.
وأعرب المتحدث باسم الخارجية الأميركية نايثان تك عن تطلع واشنطن لأن تكون قمة «وارسو» فرصة لتبادل وجهات النظر بين الوفود بشأن قضايا المنطقة.
وقال نايثان ـ في مقابلة خاصة مع قناة «سكاي نيوز» الإخبارية قبيل انطلاق المؤتمر: «إنه سيتم تشكيل لجنة متابعة من الوفود لمتابعة القضايا والملفات التي سيتم بحثها».. مضيفا: «أن واشنطن تتطلع للحوار بشأن عدة قضايا بينها الملف الإيراني، وطرح خطوات لمواجهة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار».
وفيما خيم الغموض على برنامج عمله، يعقد المؤتمر اليوم جلسته الرئيسية، التي يفتتحها نائب الرئيس الأميركي مايك بنس بحضور وزير خارجيته مايك بومبيو ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومقاطعة أبرز المسؤولين الأوروبيين.
واعتبر بومبيو الذي وصل پولندا مساء أمس الأول أن المؤتمر هو «ائتلاف عالمي يجري بناؤه لتحقيق المهمة الهامة المتمثلة في الحد من المخاطر طويلة الأمد المتأتية من منطقة الشرق الأوسط».
ومن الملفات الخلافية، الاتفاق النووي الايراني، الذي ما زالت اغلب الدول المشاركة تقريبا تدعمه، حتى حكومة پولندا اليمينية الحريصة على إرضاء الولايات المتحدة الأميركية نظرا لقلقها من روسيا. وأعلنت صراحة دعمها للاتفاق النووي الموقع في 2015 والذي يؤكد مفتشو الأمم المتحدة أن إيران ملتزمة به.
وقال وزير الخارجية الپولندي جاسيك تشابوتوفيتش خلال المؤتمر الصحافي مع بومبيو إن «الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة يرون نفس التهديدات في الشرق الاوسط، لكننا نختلف أحيانا حول طريقة حل هذه الأزمات».
من جهته، قال نيد برايس، مستشار أوباما السابق والمسؤول الاستخباراتي، إن المؤتمر لن يفعل سوى إظهار عزلة إدارة ترامب لأن الأوروبيين رفضوا أن يشكلوا جزءا من «تظاهرة حماسية مناهضة لإيران». وقال برايس الذي يعمل الان ضمن جماعة ضغط «العمل الامني القومي» إن «المحرج في الأمر أن الإدارة الأميركية لا تجد حلفاء يؤيدون نهجها الداعي إلى ممارسة أقصى الضغوط» على إيران.
وكان وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت هو الديبلوماسي الأوروبي الوحيد الذي سيمثل بلاده على هذا المستوى في وارسو، لكنه سيحضر أساسا لمناقشة الأزمة الإنسانية في اليمن الذي بات عدة ملايين من سكانه على حافة المجاعة.
ولا تشارك روسيا في المؤتمر فيما تعقد في موازاته الخميس مباحثات في منتجع سوتشي بحضور الرئيس حسن روحاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن سورية التي يخطط ترامب لسحب القوات الأميركية منها.
وإلى وارسو، قالت تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إنها سترسل فقط موظفا في سفارتها.
ومن المجموعات التي ستحضر بقوة منظمة «مجاهدي خلق» الإيرانية المعارضة في الخارج والتي سحبتها الولايات المتحدة من قائمة المنظمات الإرهابية في 2012. أما إيران المعنية الرئيسية بهذه القمة، اعتبر وزير خارجيتها محمد جواد ظريف أن المؤتمر «ولد ميتا».
وقال ظريف خلال مؤتمر صحافي في طهران «إنه مسعى جديد تبذله الولايات المتحدة في إطار هوسها الذي لا أساس له إزاء إيران».
وأضاف «أعتقد أن مؤتمر وارسو ولد ميتا».
ورأى أن واشنطن لا يهمها مطلقا أن يكون المؤتمر منبرا لتبادل الآراء بين الدول الستين المشاركة.
وتابع «أعتقد أن حقيقة أنهم لا يهدفون إلى إصدار أي نص متفق عليه، ولكن بدلا من ذلك يحاولون استخدام تصريحاتهم نيابة عن الجميع، يظهر أنه ليس لديهم أي احترام هم أنفسهم لهذا المؤتمر».
وأوضح«أنت لا تحضر في العادة 60 بلدا ودولة للتحدث نيابة عنهم. هذا يشير إلى أنهم لا يعتقدون أن هناك ما يمكن أن يكسبوه من هذا الاجتماع».
كما رأت السلطة الفلسطينية فيه مؤامرة تستهدف فرض صفقة القرن على حساب القضية.
ودعت السلطة الفلسطينية إلى مقاطعة «المؤامرة على القضية الفلسطينية»، بحسب وصف وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي.
واعتبر أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات أنه محاولة لجعل الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق الفلسطينية واقعا طبيعيا.
الفصائل الفلسطينية ترفض «صفقة القرن»
عواصم ووكالات: اختتمت الفصائل الفلسطينية امس اجتماعاتها في العاصمة الروسية موسكو بالتأكيد على ضرورة مواجهة خطة التسوية الأميركية، المعروفة باسم «صفقة القرن» الأميركية، وإنهاء الانقسام الفلسطيني، ورفض إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة، فيما اتفقت على عدم الخروج ببيان ختامي لحواراتها بسبب وجود خلافات في مواقفها من بعض القضايا التي تم نقاشها.
وخلال الجلسة الختامية للحوارات امس، أجمع ممثلو الفصائل على ضرورة مواجهة «صفقة القرن»، ورفض إقامة دولة فلسطينية في غزة أو من دون مدينة القدس، والتمسك بضرورة إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية.
وقال عزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، خلال الجلسة، ان حركته متمسكة بإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، وترفض أي عملية سلام مع إسرائيل ترعاها الولايات المتحدة.