أنهى السودانيون أمس ثمانية أشهر من الاضطرابات، وفتحوا الباب أمام الانتقال التاريخي للحكم المدني بعد أن وقع المجلس العسكري والمعارضة «الوثيقة الدستورية» النهائية.
وانطلقت مراسم التوقيع، التي حملت اسم «فرح السودان»، بحضور إقليمي ودولي واسع.
وبدأت بالنشيد الوطني السوداني ثم تلاوة آيات من القرآن الكريم، قبل أن يتلو أحدهم صلاة مسيحية «هذا هو اليوم الذي صنعه الرب فلنبتهج ونفرح به». وعلقت لافتات داخل القاعة الفخمة كتب عليها «فرح السودان».
ووقع «الوثيقة الدستورية» كل من نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، وممثل تحالف «إعلان قوى الحرية والتغيير» الذي قاد حركة الاحتجاجات، أحمد الربيع في قاعة فخمة تطل على نهر النيل في الخرطوم.
وفور انتهاء التوقيع، حمل رئيس المجلس العسكري عبدالفتاح البرهان الوثيقة التي وضعت في غلاف سميك باللون الأخضر عاليا ولوح بها وسط تصفيق الحاضرين.
وجلس حميدتي والربيع على المنصة الرئيسية وبجوارهما رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد الذي قاد الوساطة التي أدت الى الاتفاق.
وينهي الاتفاق الذي تم التوصل إليه في الرابع من أغسطس نحو ثمانية أشهر من الاضطرابات بدأت بتظاهرات حاشدة ضد الرئيس عمر البشير أدت إلى إطاحة الجيش به تحت ضغط الشارع في أبريل، بعد 30 سنة من حكم السودان بقبضة من حديد.
ومع التوقيع الرسمي على الاتفاق أمس، يبدأ السودان الخريطة الزمنية لتشكيل الحكومة الانتقالية، إذ سيتم اليوم الإعلان عن تشكيلة مجلس الحكم الانتقالي الجديد «السيادي» الذي سيتألف بغالبيته من المدنيين. وتعيين رئيس الوزراء يوم الثلاثاء المقبل، وتشكيل الحكومة يوم 28 أغسطس الجاري.
وأعلن قادة الحركة الاحتجاجية الخميس أنهم اتفقوا على تعيين المسؤول السابق في الأمم المتحدة عبدالله حمدوك، وهو خبير اقتصادي مخضرم، رئيسا للوزراء.
ومن المتوقع أن يركز حمدوك جهوده على إصلاح الاقتصاد السوداني الذي يعاني من أزمة منذ انفصل الجنوب الغني بالنفط في 2011 عن الشمال.
وشكل الوضع المعيشي شرارة الاحتجاجات ضد حكم البشير.
لكن العديد من السودانيين يشككون في قدرة المؤسسات الانتقالية على كبح جماح القوى العسكرية خلال فترة السنوات الثلاث التي ستسبق الانتخابات.
وسيحكم البلد الذي يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة، مجلس سيادة يتألف من 11 عضوا.
وينص الاتفاق على أن يعين العسكر وزيري الداخلية والدفاع.وتقول روزاليند مارسدن من مركز «تشاتام هاوس» في لندن إن «الحركة السياسية ستكون أكثر أهمية من قصاصات ورق».
وتضيف «التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة هو تفكيك الدولة الإسلامية العميقة.. التي سيطرت على جميع مؤسسات الدولة والقطاعات الرئيسية في الاقتصاد، بما في ذلك مئات الشركات المملوكة للجهاز الأمني-العسكري».
وعلى الرغم من أن الطريق إلى الديموقراطية لاتزال حافلة بالكثير من العقبات، فقد خيمت الأجواء الاحتفالية على البلاد.
وتقاطر الآلاف من المواطنين من جميع أنحاء السودان الى الخرطوم للمناسبة. واحتفت الصحف السودانية الصادرة أمس بـ«الانتقال التاريخي».
وكتبت صحيفة «التيار» في صفحتها الأولى «البلاد تبدأ الانتقال التاريخي نحو الديموقراطية»، فيما عنونت صحيفة «الســـــوداني»: «الخرطوم تستعد للفرح الأكبر».
وأحد أكثر النتائج الديبلوماسية الفورية المرتقبة للحل الذي تم التوصل إليه، هو رفع تعليق عضوية البلاد الذي فرضه الاتحاد الافريقي على السودان في يونيو.
ويشكك البعض في معسكر الاحتجاج في قدرة الاتفاق على الحد من سلطات الجيش وضمان العدالة.
وغابت عن حفل التوقيع المجموعات المتمردة في المناطق المهمشة مثل دارفور والنيل الأزرق وكردفان. وحذر الصحافي البارز عثمان الميرغني من المبالغة في الاحتفالات.
وكتب ميرغني الذي يرأس تحرير صحيفة «التيار» في زاويته أمس «نحتفل بتوقيع وثائق الانتقال... لكن بالله عليكم لا تضيعوا مزيدا من العمر في الاحتفالات».
وتابع «نحن أشبه بفريق كرة قدم مهزوم (عشرة صفر). فإذا أحرز مهاجمه هدفا، لا داعي لخلع الفانلة والجري نحو الجمهور.
على العكس خذ الكرة وأسرع بها نحو المنتصف لمواصلة المباراة وكسب الزمن».
واعتبر أبي أحمد عراب الاتفاق، أنه يعد بمنزلة بداية مرحلة جديدة، مجددا الالتزام بدعم السودان خلال المرحلة الانتقالية.
وطالب في كلمته بضرورة التعاون ووحدة الصف في السودان، مشيرا إلى أن الطريق إلى الديموقراطية بدأ الآن.
وجرت مراسم التوقيع بتواجد عربي ودولي واسع، حيث حضر رؤساء كل من تشاد إدريس ديبي، ودولة جنوب السودان سيلفاكير ميارديت، وكينيا أوهورو كينياتا، وجمهورية أفريقيا الوسطى فاوستان اركانج تودايرا، ورئيس وزراء مصر مصطفى مدبولي (ممثلا للاتحاد الأفريقي)، وعدد من وزراء خارجية الدول الأخرى والدول العربية والخليجية وممثلو المنظمات الإقليمية والدولية توقيع الوثائق الخاصة بالفترة الانتقالية بقاعة الصداقة بالخرطوم.
الصادق المهدي: عبور إلى الحكم المدني
وصف رئيس حزب الأمة القومي السوداني الصادق المهدي أمس التوقيع على الوثائق النهائية للفترة الانتقالية بأنه «عبور إلى الحكم المدني في السودان»، مؤكدا أن هذا الاتفاق سيحقق السلام والتحول الديموقراطي في البلاد عبر انتخابات حرة نزيهة.
وأضاف المهدي أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة التوحد لا إقصاء فيها ليشارك الجميع في عرس ونصرة السودان، مؤكدا أن نضالات الشعب السوداني للعمل المدني ستظل حارسا للحكم الرشيد في السودان، مشيرا إلى أن الشعب السوداني هو صاحب هذا الإنجاز.
أولى جلسات محاكمة البشير غداً
عواصم - وكالات: تزامنا مع انطلاق عجلة المرحلة الانتقالية لمرحلة ما بعد البشير، تبدأ غدا محاكمة الرئيس المخلوع عمر البشير.
ونقلت صحيفة الانتباهة السودانية عن عضو بارز في هيئة الدفاع عن الرئيس المعزول، أنه تم إرجاء أولى جلسات محاكمته ليوم غد الاثنين.
وكشفت الصحيفة في وقت سابق عن نقل جلسات المحاكمة إلى معهد التدريب القضائي بالخرطوم، حيث كان مقررا عقد الجلسة الأولى للمحاكمة أمس.
وقال عضو بهيئة الدفاع عن المعزول، إنه تم إبلاغهم كهيئة دفاع عن البشير إلى جانب إبلاغ إدارة السجن القومى بكوبر بتأجيل موعد المحاكمة من أمس إلى غد الاثنين، مؤكدا ان جلسة المحاكمة ستنعقد بمعهد التدريب القضائي بالخرطوم، وذلك بعد تغيير مقر المحكمة السابق بمحكمة الأراضي بالديم وسط الخرطوم.
ثمانية أشهر غيرت وجه السودان
من احتجاجات بسبب رفع اسعار الخبز إلى المرحلة الانتقالية الممهدة للحكم مدني، مر السودان بثمانية أشهر تاريخية لم تخل من الدماء حيث قتل أكثر من 250 شخصا. وهذه أبرز محطاتها:
رفع سعر الخبز
٭ ولدت حركة الاحتجاج في السودان في 19 ديسمبر بسبب نقمة شعبية على زيادة سعر الخبز ثلاثة أضعاف في ظل أزمة اقتصادية وتدابير تقشفية. ومنذ اليوم التالي لبدء التحرك، بدأ الناس يهتفون «حرية».
٭ اتخذت الحركة شكل اعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم منذ السادس من أبريل للمطالبة بتغيير النظام السياسي.
٭ في 11 أبريل، أطاح الجيش تحت ضغط الشارع بالرئيس عمر البشير الذي حكم البلاد على مدى ثلاثين عاما، وتولى مجلس عسكري الحكم.
٭ رفض آلاف المحتجين فض الاعتصام مطالبين بنقل السلطة إلى المدنيين ودخلت المعارضة والعسكر في مفاوضات لنزع فتيل الأزمة.
٭ في العشرين من مايو، انتهت مفاوضات بين المجلس العسكري وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير الذي ينظم الاحتجاجات بشكل مفاجئ من دون التوصل إلى اتفاق بشأن تشكيلة المجلس السيادي.
٭ نفذ إضراب عام يومي 28 و29 مايو في جميع أنحاء البلاد للضغط على المجلس العسكري الحاكم.
قمع دام
في الثالث من يونيو، فض مسلحون يرتدون بزات عسكرية اعتصام المحتجين أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم. وقتل 127 شخصا، بحسب اللجنة المركزية للأطباء. وأعلن المجلس العسكري فتح تحقيق في ذلك.
في اليوم التالي، أعلن الجيش أن الاتفاقات التي تم التوصل إليها مع قادة الاحتجاجات باطلة ودعا إلى انتخابات في فترة لا تتجاوز تسعة أشهر. وندد المحتجون بـ«انقلاب».
٭ خلصت لجنة تحقيق شكلها قادة المجلس العسكري إلى تورط «ضباط وجنود» في عملية فض الاعتصام.
٭ اتهم متظاهرون ومنظمات غير حكومية «قوات الدعم السريع» بارتكاب التجاوزات.
ويعتبر مراقبون أن «قوات الدعم السريع» منبثقة من ميليشيات الجنجويد المتهمة بارتكاب فظائع خلال الحرب الأهلية في إقليم دارفور ويقودها حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي».
وساطة
٭ من 9 الى 11 يونيو، كانت الخرطوم شبه مشلولة بسبب عصيان مدني دعا إليه المحتجون.
٭ أعلنت الوساطة الإثيوبية التي بدأت في السابع من يونيو أن المجلس العسكري والمحتجين وافقوا على العودة الى طاولة المفاوضات.
٭ في 27 يونيو، أعلن تحالف المعارضة، أنه تلقى من وسطاء إثيوبيا والاتحاد الافريقي «مشروع اتفاق» جديدا للتفاوض حوله.
اتفاق على الانتقال السياسي:
٭ في الخامس من يوليو وبعد يومين من المفاوضات، تم التوصل الى اتفاق بين المجلس العسكري وقادة المحتجين على الخطوط العريضة لفترة الانتقال المقبلة.
٭ في 17 يوليو، وقع قادة الاحتجاج في السودان والمجلس العسكري الحاكم بالأحرف الأولى «الإعلان السياسي» الذي يقر مبدأ تقاسم السلطة خلال فترة انتقالية تمتد على ثلاث سنوات. وينص الإعلان على إنشاء «مجلس سيادي» يفترض أن يدير المرحلة الانتقالية.
٭ في 29 يوليو، قتل ستة متظاهرين بالرصاص بينهم خمسة طلاب خلال تجمع في وسط البلاد ما أدى إلى تعليق المفاوضات قبل توقيف تسعة عناصر من قوات الدعم السريع.
٭ استئناف المحادثات في الأول من أغسطس.
٭ في الرابع من أغسطس، تم التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق تشكيل المجلس السيادي الذي سيتألف من ستة مدنيين وخمسة عسكريين.
٭ في 15 أغسطس، تم الاتفاق على تسمية عبدالله حمدوك رئيسا للحكومة الانتقالية المرتقبة، واللواء عبد الفتاح البرهان رئيسا للمجلس السيادي.
٭ في 17 اغسطس.. التوقيع على الاتفاق على المرحلة الانتقالية.