أدلى التونسيون بأصواتهم أمس لاختيار ثاني رئيس لهم بعد «ثورة الياسمين»، وسط منافسة غير مسبوقة بين 26 مرشحا، سعوا للحصول على مفتاح قصر قرطاج.
وزاد تردد الناخبين الذين لم يحسموا قرارهم، معطوفا على زحمة المرشحين من ضبابية المشهد المفتوح على كل الاحتمالات، حيث يحتاج الفائز للحصول على اكثر من 50% من أصوات نحو 7 ملايين تونسي يحق لهم التصويت.
ورأت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير الخميس أن «حدة الصراع الانتخابي تكشف حيوية ديموقراطية». لكن في المقابل هناك «خطر الانحراف عن المسار» بسبب «أزمة الثقة» لدى التونسيين تجاه المؤسسات وشراسة التنافس.
ولم تتمكن تونس منذ الثورة من تحقيق نقلة اقتصادية توازي ما تحقق سياسيا. فملف الأزمات الاقتصادية لايزال مشكلة أمام الحكومات المتعاقبة، وبخاصة في ما يتعلق بنسبة التضخم والبطالة المتواصلة التي دفعت شبابا كثيرين إلى كره السياسة والنفور منها. وشكلت هاجسا سيطر على اهتمامات الناخبين.
وبلغ تأزم الوضع الاقتصادي ذروته في حكومة يوسف الشاهد الأطول بقاء مقارنة بسابقاتها، ما دفع التونسيين إلى الاحتجاج بشكل متواصل طوال السنوات الأخيرة، مطالبين بمراجعة السياسيات الاقتصادية وتحسين القدرة الشرائية التي تدهورت. في الوقت نفسه، لوحظ تحسن في الوضع الأمني.
وطرح الصراع الانتخابي في 2019 معادلة جديدة تقوم على معطى جديد هو ظهور مرشحين مناهضين للنظام الحالي، ما أفرز وجوها جديدة استفادت من التجاذبات السياسية، على غرار الأستاذ الجامعي المحافظ قيس سعيد. ورجل الأعمال وقطب الاعلام المثير للجدل نبيل القروي الموقوف في السجن لتهم ترتبط بالتهرب الضريبي وتبييض أموال، وقرر خوض الانتخابات من السجن، وقد تصدر لأشهر طويلة استطلاعات الرأي لنوايا التصويت. وتولت زوجته سلوى سماوي وعدد من قيادات حزبه «قلب تونس» مواصلة حملاته.
ومن بين هذا الكم الكبير من المتنافسين الذي بلغ 26 مرشحا برزت أسماء أخرى عدة خلال الحملة الانتخابية والمناظرات التلفزيونية غير المسبوقة، ومن هؤلاء الشاهد الذي تدهورت شعبيته بفعل الأوضاع الاقتصادية، ووزير الدفاع السابق عبدالكريم الزبيدي ومرشح حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية عبدالفتاح مورو والرئيس السابق المنصف المرزوقي.
وقال الشاهد اثر خروجه من مركز الاقتراع للصحافيين «اليوم التونسيون يعيشون يوما كبيرا».
كما وتشهد تونس انتخابات تشريعية في السادس من أكتوبر المقبل، ويرجح أن تكون قبل الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في حال عدم فوز مرشح من الدورة الأولى. وبالتالي ستتأثر النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية حتما بنتائج التشريعية.
هذا، وتخلصت تونس من الحكم الاستبدادي قبل ثمانية أعوام في ثورة ألهمت انتفاضات «الربيع العربي» في عدة دول عربية، لكنها وحدها حظت بانتقال سلس وسلمي إلى الديموقراطية.
ومثلما كان الحال مع الحكومة الحالية، سيتعين على الحكومة التونسية المقبلة أن تتعامل مع مطلب شعبي بزيادة الإنفاق الحكومي في حين تدفع الجهات المقرضة باتجاه خفض الإنفاق.
وللرئيس التونسي سيطرة مباشرة على السياسة الخارجية وسياسة الدفاع في حين يتولى رئيس الوزراء الذي يختاره البرلمان معظم الملفات الأخرى.
وبسبب هذا الدور المحدود، أكد العديد من المرشحين على سياساتهم الخاصة بالأمن وهو مجال شهدت فيه تونس تحسنا كبيرا.
بدوره، الرئيس المؤقت ورئيس البرلمان السابق محمد الناصر، قال إن إقبال التونسيين على صناديق الاقتراع يجسد المواطنة والمساواة بينهم وسيادة الشعب.
وأوضح الناصر، في تصريح للصحافيين عقب الإدلاء بصوته في مكتب اقتراع بضاحية سيدي بوسعيد شمال العاصمة، أن «الشعب هو من سيختار من سيرأسه ومن سيقوم بتسيير البلاد ويحسن الوضع في تونس ويحقق الازدهار للتونسيين».
وبلغ عدد المسجلين لانتخابات 2019 أكثر من سبعة ملايين ناخب مقارنة بنحو 5.3 مليون ناخب في انتخابات 2014.
وقال مراد الرزقي (51 عاما) وهو موظف في القطاع بعد أن أدلى بصوته لـ«د.ب.أ»: «أدليت بصوتي في 2011 و2014 بنفس مكتب الاقتراع، أحتفظ باختياري، لكن آمل أن يكون هناك تغيير ونفس آخر في الحكم، على أن يكون الرئيس الجديد الذي سيختاره التونسيون ملما بأوضاع البلاد الاقتصادية الصعبة وأوضاع معيشة المواطنين الصعبة».
وأكدت هاجر النفاتي (30 عاما) وهي تعمل بمركز نداء: «أبحث عن التغيير ووجوه لم تتواجد في الحكم في السابق، نظامنا برلماني لهذا لن يكون هناك تأثير كبير لرئيس الجمهورية لكن الأهم إحداث تغيير في السلطة».
وخصصت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أكثر من 4500 مركز اقتراع في أنحاء البلاد، بينما دفعت السلطات بأكثر من 100 ألف عنصر أمني وعسكري لتأمين الانتخابات.