تحولت ساحات العاصمة العراقية بغداد أمس الى ما يشبه ساحة الحرب وقتل ٥ متظاهرين على الاقل وأصيب العشرات بالاختناق جراء استخدام قوات الأمن الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي لتفريقهم، في تنفيذ على ما يبدو للسيناريو الذي يرمي للإبقاء على حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي وإنهاء الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام، «بكل الوسائل»، بحسب ما نقلت وكالة فرانس برس عن مسؤولين عراقيين.
وأفادت الوكالة بأن عبد المهدي أصبح محط إجماع بين أقطاب السلطة حتى الذين كانوا يطالبون برحيله بسبب الضغوط السياسية من إيران وحلفائها في بغداد.
وبالتزامن، وعد عبدالمهدي بإجراء تعديل وزاري على حكومته وصفه بـ«المهم»، مؤكدا أنه سيتم إطلاق سراح جميع المعتقلين من المتظاهرين ومحاسبة كل من يثبت تورطه في قتلهم أو إصابتهم مهما كان انتماؤه.
وعقب التوافق بين غالبية القوى والكتل السياسية العراقية، وعد عبدالمهدي في بيان أمس بأن تواصل الحكومة والسلطات القضائية التحقيق في قضايا سقوط قتلى وجرحى من المتظاهرين والقوات الأمنية والإفراج عن جميع المعتقلين بالسجون وتقديم من تثبت عليه جرائم جنائية «من اي طرف كان» للمحاكمة.
وجدد تأكيده انه سيجري تعديلا وزاريا مهما استجابة لمطالبات شعبية بتغييرات وزارية شاملة او جزئية للخروج من نظام المحاصصة وجعل المؤسسات «أكثر شبابية وكفاءة وشفافية».
وأقر بأن القوى السياسية والأحزاب ورغم كونها كيانات مهمة في النظام الديموقراطي وقدمت تضحيات كبرى لكنها سقطت في «ممارسات خاطئة كثيرة»، مشيرا الى ان «مرحلة ما بعد 2003 شهدت احتكار أحزاب تتحاصص السلطة وتمنع عبر النظم الانتخابية المصممة تصميما خاصا ووسائل التخويف والبيع والشراء تداولا حقيقيا للسلطة مما جعل البلاد أسيرة مسارات مغلقة».
ووعد عبدالمهدي بناء على ذلك بخطوات عديدة لإصلاح النظام الانتخابي ومفوضية الانتخابات سيتم طرحها في الأيام القليلة المقبلة، موضحا ان «اهم عامل سيساعد هو قبول القوى السياسية لتصحيح هذه المسارات نتيجة الضغط الجماهير والمرجعية لتحقيق ذلك».
وبخصوص قطع الإنترنت بالتزامن مع الاحتجاجات الحالية قال رئيس الوزراء العراقي ان السلطات: «دفاعا عن حقوق المجموع مرغمة أحيانا لتقييده عندما ترى انه يستخدم للترويج للعنف والكراهية والتآمر على الوطن وتعطيل الحياة العامة».
وتعهد بإضافة حزم إصلاحية جديدة منها اعتماد جدول لتخفيض رواتب كبار المسؤولين الى النصف وتعديلات في سلم الرواتب لإنصاف الشرائح الدنيا وتحقيق قدر أكبر من العدالة الاجتماعية ولتطبيق نظام التعويضات الاجتماعية التي من شأنها ألا تترك عراقيا تحت مستوى خط الفقر.
كما وعد بالمضي قدما بمنع اي سلاح خارج الدولة، حيث سيعد اي كيان مسلح يعمل خارج سيطرة الدولة «غير قانوني وتتم محاربته».
كما تعهد بالمضي بمحاربة الفساد وملاحقة تضخم ثروات المسؤولين وإحالة كل من يجب إحالته على المحكمة المركزية العليا لمحاربة الفساد، فضلا عن حل قضايا البطالة وتوزيع الأراضي وتحسين الخدمات وتوفير المزيد من العدالة والتوجه نحو المشاريع في القطاعات الحقيقية ومحاربة الفوضى.
وجاء بيان عبدالمهدي بعدما اتفقت الأحزاب السياسية خلال اجتماع ضم غالبية قيادات الكتل الكبيرة على التمسك برئيس الوزراء الحالي مقابل إجراء إصلاحات في ملفات مكافحة الفساد وتعديلات دستورية.
وأوضح مصدر مطلع لوكالة فرانس برس ان الكتل والأحزاب السياسية اتفقت أيضا على «دعم حكومة عبدالمهدي في إنهاء الاحتجاجات بكافة الوسائل المتاحة».
ولفتت مصادر سياسية إلى أن الاتفاق بين الأطراف المعنية «بما فيهم تحالفا «سائرون» و«الحكمة» جاء بعد «لقاء قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني بمقتدى الصدر ومحمد رضا السيسياتي والذي تمخض عنه الاتفاق على أن يبقى عبدالمهدي في منصبه».
وأكدت المصادر ان الطرف الوحيد الذي رفض هذا الاتفاق هو تحالف «النصر» بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، الذي يرى أن الحل الوحيد للأزمة هو رحيل عبدالمهدي.
وفي وقت لاحق، بحث رئيس الوزراء العراقي مع رئيس الجمهورية برهم صالح، سبل حفظ الأمن والاستقرار في عموم البلاد.
وفي سياق متصل، أكد سعد الحديثي الناطق باسم الحكومة ان رئيس الوزراء التقى مجموعة من المتظاهرين، لافتا إلى أن الحكومة تعمل على تلبية مطالبهم.
وقال الحديثي في تصريحات خاصة لقناة (روسيا اليوم) امس إن الحكومة تعمل وبشكل جاد على تلبية مطالب المتظاهرين من خلال المطالب التي قدمت لها، وهي على استمرار بالاجتماع مع المتظاهرين، مشيرا إلى أن عبدالمهدي التقى في أوقات سابقة المهندسين وأصحاب الشهادات العليا من المعتصمين.
في غضون ذلك، تواصلت الاحتجاجات لليوم الـ 16 مع تسجيل سقوط المزيد من القتلى والمصابين في صفوف المحتجين في بغداد والبصرة، كما استمر قطع الإنترنت في مختلف أنحاء البلاد باستثناء مدن إقليم كردستان العراق.
وتجددت الاشتباكات بين القوات الأمنية والمتظاهرين الموجودين بساحة التحرير والطرق المؤدية إليها وسط بغداد.
وأصيب العشرات بحالات اختناق بالغاز المسيل للدموع أثناء محاولة الشرطة تفريقهم في ساحة (الخلاني).
وذكر شهود عيان ان قوات الأمن تقدمت عبر جسر (السنك) الذي كان مغلقا امنيا نحو ساحة (الخلاني) القريبة لتفريق المحتجين المعتصمين هناك منذ أيام وفتح الطرق المؤدية الى الجسر.
ولفتوا الى ان القوات الأمنية تقدمت كذلك نحو شارع (الرشيد) الذي يربط المناطق القريبة من جسر (السنك) بجسر (الجمهورية) جنوبا وجسر (الأحرار) شمالا، حيث أطلقت الغاز المسيل للدموع هناك.
وأفادت مصادر طبية بأن متظاهرا توفي امس متأثرا بجروحه خلال الاحتجاجات التي شهدتها محافظة كربلاء مساء امس الأول، فيما لايزال سبعة جرحى يتلقون العلاج.