مع تصاعد حدة التظاهرات الأميركية، أعلن الرئيس ترامب الأحد الماضي أنه يعتزم إعلان «أنتيفا» منظمة إرهابية. فهل يستطيع ذلك؟
استطلعت مجلة «وايرد» wired آراء بعض خبراء الدستور الأميركي الذي يرون أنه ربما لن يستطيع.
فمن الناحية الاصطلاحية، يتكون اسم: أنتيفا من مقطعين: مقطع «أنتي» وهو اختصار بمعنى مضاد، ثم مقطع «فا» وهو اختصار يشير إلى كلمة «فاشيست»، ما يعني أن كلمة أنتيفا تعني أنتي-فاشيست، أي أنها تشير إلى: كارهي الفاشية.
أما من الناحية الواقعية، فإن أنتيفا ليست منظمة، وليس لها إدارة مركزية ولا مكاتب عمل، وليس لها زعماء أو قادة، بل هي مجرد تجمع أيديولوجي يقوم على معارضة التوجهات الأيديولوجية المضادة له، وخاصة ايديولوجيات اليمين الأبيض العنصرية، التي تشجع النزعات القومية والاستبدادية، والتي كثيرا ما يذمها اليساريون بكونها نزعات فاشية ونازية، وما شابه من هذه مصطلحات.
فعندما تعلن إحدى الجهات أو الأحزاب اليمينية الأميركية اعتزامها تنظيم نشاط أو تظاهرة ما في مكان ما، تظهر على الفور مجموعات «أنتيفا» لتترصد هذه التظاهرات بتظاهرات مضادة وتخربها.
إلا أن مجلة «وايرد» تؤكد عدم وجود كيان مؤسسي في الواقع الأميركي اسمه أنتيفا، بل هو أقرب إلى تجمع أشخاص لا يحتكمون بقادة أو زعماء أو تراتبية تنظيمية من أي نوع، بل يجمعهم محض توجه ايديولوجي معارض لتنظيمات الاستبداد وكأنهم اقسموا على تخريب أي نشاط عنصري أو قومي أو فاشي.
وتؤكد مجلة وايرد أن تلك ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن حظر أنتيفا، اذ يبدو أن اسم هذه المنظمة هو الفزاعة اليسارية التي يلقي عليها اليمين الأميركي العنصري مسؤولية إفشال تواجده في الشارع الأميركي.
فأول شيء يخطر على بال اليمين لإلهاء الأميركيين عن إدانة منظماته العنصرية هو الإشارة إلى أن اليساريين أيضا لديهم تنظيمات متطرفة وعنيفة واسمها أنتيفا.
لذا، يرى بعض خبراء الدستور الأميركي أن حديث ترامب عن حظر أنتيفا، هو مجرد ذر للرماد في العيون لتبرير وجود منظمات يمينية متطرفة. فمن الصعب واقعيا حظر أنتيفا، لأنها ليست منظمة، وليست لها أي مكاتب أو عناصر أو تمويلات من خارج الولايات المتحدة، وبالتالي لا يمكن اعتبارها منظمة إرهابية، لأن الولايات المتحدة لا تمتلك أي قانون يحظر المنظمات الأميركية الداخلية بصفتها إرهابية، إن لم يكن لديها تمويل ومكاتب خارج الولايات المتحدة، فهذا أمر مضاد لجوهر الدستور الأميركي.
فلا يكفي في الدستور الأميركي حظر المنظمات الداخلية مقطوعة الصلة بالخارج بناء على حجة ممارسة العنف، ذلك أن ممارسة العنف تنطبق في الثقافة الأميركية على منظمات كثيرة تبدأ من تنظيمات المصارعة الاحترافية وتصل إلى سباقات تكسير السيارات.
ويتصور خبراء الدستور الأميركي أنه حتى لو أقدم الرئيس ترامب على إعلان أنتيفا منظمة إرهابية، فلن يكون لهذا الإعلان أي تأثير تقريبا، حيث يؤكد فيليس غريستنفيلد الباحث بجامعة كاليفورنيا: «خبرتنا مع التنظيمات الهلامية مثل أنتيفا تقول إنها تتغلب على محاولات السيطرة الحكومية من خلل الانقسامات وانعدام وجود قيادات محددة. وهذا بالفعل ما تفعله أنتيفا طوال الوقت».
كما يقول نيل ريتشاردز خبير حرية التعبير والخصوصية بجامعة واشنطن: «يمكن طبعا تجريم حرق مخافر الشرطة، لكن لا يمكن تجريم كراهية الفاشية والاستبداد، ولا يمكن تجريم تجمعات الناس التي تمارس هذا النوع من الكراهية».
لذا يبدو أن تجريم ممارسات أنتيفا سيجر تجريما آخر لممارسات الأميركيين المعارضين لليمين الأميركي العنصري، بل وأغلب المشاركين في المظاهرات الحالية التي ترفض نزعة التفوق الأبيض.
ويرجح ستانسلاف فيستوسكي، الباحث بجامعة ويسكونسن وايتواتر: «سنشهد رقابة أوسع على أنشطة الإعلام الالكتروني لليساريين، وهو ما يذكرنا بقانون باتريوت، حيث قامت المباحث الفيدرالية بمراقبة مواقع الكواكرز ودعاة السلام رافضي الحرب». ويضيف: «تكمن كل دلالة الهجوم على أنتيفا في كونه يعطي الضوء الأخضر لمنظمات اليمين المتطرف بأن الدولة تساندها وستمنع من ينتمون إلى أنتيفا من تخريب تظاهراتهم».